خاطرة

“حكاية الموت” بقلم يزن ابراهيم سعيد الجّخادبه (خاطِرة)

حياة بطعم الموت ..
‌حال المخيّماتِ الفلسطينيّةِ لا يُبَشِّرُ بخير، جميعها تعيشُ نَفس الأحوالِ المأساويّةِ، لكنّ مخيَّمَ نهر البارد القابعِ في الجّنوبِ الغربيَّ من خانيونس تُصدِرُ المشهدَ بالأحوالِ الكارثيّةِ الّتي يعيشها، عندما تقتربُ مِنْ تلكَ المنطقةِ تَرى ما لا تُصدِّقُهُ عينك، كُثبانٌ رمليّةٌ تُغطيّ جِهةً من المخيّمِ ومكبُّ نفاياتٍ من جهة أخرى وانعدامُ البنية التحتيّةِ لتلك المنطقة، لِوهلَةٍ يجول في بالك أنّكَ تدخل إلى أماكِنَ مهجورة منذ القِدَمِ، لكنْ أنت يُرحَّبُ بِكَ في مخيّمِ نهر البارد، مجرّد أنْ تدوسَ قدمكَ عتبةَ المخيّمِ تجزع من هولِ المنظر، بيوتٌ يُغطِّي سقوفها الصّفيحُ الحديديُّ، تجد البيوتَ الصّغيرةَ وكأنّها حُجُراتٌ صغيرةٌ، تتوسّطُ جدرانَ تِلكَ البيوتِ نوافذها تكادُ أن تُرى، تُغطيّها أقمشةُ وأكياسُ النّايلون، افتقارٌ لغازِ الطّهي فلا تستغرب من الدُّخانِ المتصاعدِ من المخيّمِ فتلك مواقدُ النّارِ الّتي تُشعَلُ أمامَ البيوتِ يوميّاً لطهوِ طعام ليسُدّ جوعَ بطونهم ، تلك الوجوهُ الشّاحبةُ قد سُلِبَتْ منها الابتسامة نظرًا للوضع الكارثيِّ في المخيّم، قدْ تحتاجُ لاستنشاقِ بعضاً من الهواء النقيّ بعد رؤية تلك الأهوال، لكنْ تتسرّبُ إلى أنفك تلك الرّوائحُ الكريهةُ المتسرِّبةُ من مكبِّ النُّفاياتِ القريب من المخيم، تحتاج للسير قليلاً لكي تهرُبَ من تلك الأهوال، لكنْ شوارعَ المخيّمِ هي مجرى لسير المياه العادمة فيها ، مخيم نهر البارد يُعاني من عدم توفُّر الحياة فيه، مخيم سُلِبَ منهُ كلّ شيءٍ حتّى وصلَتْ لسلبِ الابتسامة من وجوهِ أطفال المخيّم، مخيّم نهر البارد صُنِّفَ بأنّهُ غير صالح للحياة، هواءٌ ملوَّث، بيوت يُغطّيها الصّفيح، مياه الصّرفِ الصّحيّ تتسرّب، نوافذ تُغطّيها أقمشة وأكياس النّايلون، مواقد النّار أمام كل بيت، مكبُّ نفايات يبعثُ بالأمراضِ إليهم، كثبان رمليّة تحاصرهم، هل ذلك مخيم أم قرية مهجورة، كل تلك الأشياء توحي بأنّ الحياةَ مستحيلةٌ في ذلكَ المكانِ ، أصبحَ أهلُ المخيّمِ يصحونَ على أمل عودةِ الحياةِ للمخيم، أصبح أهل المخيّمِ حكاية الموت في ظِلِّ الحياة، أهل مخيم نهر البارد تميّزوا عن الآخرين بشيء واحد بأنّهم سوف يموتون مرّتين، ماتوا وهم أحياء في ظلِّ هذه الظروف المأساويّةِ ، والموت الثّاني انتهاء أجل أهل المخيّم ، الحال لا يُبَشِّرُ بخير في مخيّم نهر البارد، افتقارٌ للبنيةِ التحتيّة وافتقار المقوّمات الأساسيّة، فأين العالم عن مخيم نهر البارد؟ لقد كُتِبَ على أهل المخيّم الموت وهم على قيدِ الحياة، لقدْ سطّرَ أهل مخيم نهر البارد حكايةً جديدةً في تاريخِ المآسي الفلسطينيّة، الموت يتغلغلُ في أحياءٍ المخيّم باحِثاً عن روحٍ يقبضها، لم يُبقِ الموت شيئاً في المخيم، حتّى أنّهُ لم يتركْ ابتسامةَ أطفال المخيّم…

إقرأ أيضا:عثرةُ الأجداد، بقلم:صبا مازن الأفندي”خاطرة”

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
هلوسات ،بقلم : رهام عثمان أحمد
التالي
“بَوْح” بقلم هشام يوسف الرّواشدة (خاطِرة)

اترك تعليقاً