خاطرة

“بَوْح” بقلم هشام يوسف الرّواشدة (خاطِرة)

“بَوْح”..
فضفضة، أو ربّما شيءٌ شبيهٌ بالبركان، شيء ما في داخلي كان ينتظرُ هذه اللّحظة، وعلى غير رغبةٍ منّي سيخرجُ ليتحدّث، ولنْ يسكتهُ أحدٌ مهما حاول، لستُ مصاباً بالإنفصام أو ما شابه، سوف يعي الجّميع بعد قليل أنّني أنطقُ بلسانهم جميعًا، باستثناء بعضهم، أولئك اللّذينَ يعجزُ المرء عن تفسير أفعالهم.. رغم أنّني لا أراكَ إلّا أنّني واثقٌ بأنّك موجود في مكان ما حولي، سوفَ تتعجبُ من شجاعتي وأنا أتحدّث هكذا، لكنّني في حمايةِ الرّبْ، ومن غير الرّبّ باستطاعتهِ أن يمنحنا الأمانَ المطلق، وأنت تدرك ذلك يا… لوسيفر، ولمن لا يعرفُكَ، لوسيفر هو الشّيطان، لكنّني أعلم أن اسمكَ ليسَ لوسيفر، فلوسيفر كلمة لاتينيّة تعني المادّة المولّدة للنّور، لكن أيُّ نور هذا، ولا تقل لي أنّ عيناي لا تستطيعانِ رؤية نورك البارق، لو كنت نورًا لأنرت عتمة، للمعتَ في الظّلام فجأة، لكنّه الغشاء الّذي وضعهُ اللّه على أعيننا كي لا نراك، كي نلعنك بشجاعة رغم أنّك تحومُ حولنا، حسنًا لوسيفر، أنا هنا الآن لأطرح سؤالًا لن تجيب عليه حتمًا، لأنَّ إجابته قاسيةٌ عليك.
لوسيفر.. ما الّذي يدفعُكَ لفعل كل هذا وأنتَ قد رأيت الجنّة؟، أيُّ حقد يدفعكَ لفعل كل ما تفعله رُغمَ أنّكُ تعلم أنّ رحمة اللّه كان من المحتمل أن تشملك لو تبتَ عن خطيئتك هنا على الأرض، وأصبحت عوناً لنا لنعود جميعاً إلى حيث ننتمي، عوضًا عن ذلك تستمرُّ بدفعنا نحو الجّحيم معك، هي حسرة رؤيةُ الجنّة وعدم بلوغها، صدّقني الجّميع يتفهّم ذلك، لكن لن يتقبّل أحدنا أنْ يدفعَ ثمنَ حسرتك، والثّمن هنا الهلاك، هنا وهناك… لوسيفر، أنت تدرك أنّ الجّميع سوفَ يشتكيكَ للّه، وهل من قضيّة يربحُ فيها طرفٌ خصمه هو سكّان الأرض جميعًا من الأزل!، خصوصاً عند محكمة الرّبْ، سوف أشكوكَ يا لوسيفر، سأقول للّه أنّي بريء منّي، بريء من أخطائي وزلَة قدمي كلّما عدت تائبًا، أتعثر بشيء من نزغاتهِ يا رب، لست أنا وأنت تعلم، نحنُ البشر لا ندرك أنّك أضعف من أن تقنعنا بشيء، لكنّنا نستسلم لصوتك اللّامسموع، لأنّ النّفس تُغلِّفهُ بالمنطق فنشعر أنّها رغبتنا نحن، لكنّ اللّه يعلم، وإلى هنا نلجئ بعد ذنوبنا، نلجئ لمعرفة اللّه فينا.
حسنًا، أظنْ أنّ حديثي هذا مرهق لمسمعك، لأنّه يعريك بالكامل، يُزيحُ قناعَ الكذب أمام مرآتك، ويحصركَ في زاويةِ الحقيقة، لكن كل هذا لا يعني شيئًا أمام حقيقة أنّك لن تستطيعَ اللّجوء إلى اللّه، ليس بمقدوركَ الآن الهرب بأقصى سرعتك نحو القبلة، لتسجد وتدعو اللّه باكيًا أن خلصني اللّهم ممّا أنا فيه، نحن نملك ما لن تملكه أبدًا يا لوسيفر، حتّى لو عبدك البعض، وأطعناك دونَ أن ندرك، لن تمتلِكَ ذرّة ممّا نمتلك، سيأتي اليومُ الّذي تقفُ فيه أمام حشدٍ من المذنبين اللّذين أطاعوك، وتراهم قد شملتهم رحمة اللّه، ستحاول اللّحاق بهم إلى حيث يذهبون، لكنّك ستتعثّر بلعناتنا…
تنهيدة الختام، ثمّ .. هذه الفضفضة لأغرب المخلوقات ربّما، وكسائِر فضفضاتي السّابقة، سوف تخرجُ منّي بلا هدى ولا وجهة، فقط كي تفسح المجال لما يليها.

إقرأ أيضا:حوار مع الأدبية الجزائرية رانيا بوراس

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
“حكاية الموت” بقلم يزن ابراهيم سعيد الجّخادبه (خاطِرة)
التالي
جنونُ فتاة، بقلم:حسام السوارية”قصة قصيرة”

اترك تعليقاً