خاطرة

نص نثري بعنوان ما لا يرى بقلم ابتهال بن رجوبة

خفّت ابتسامتها شيئاً فشيئاً واختفت ضحكتها التي عهدناها عليها ازداد صمتها على غير العادة، صحيح أنها لم تكن توصف بالثرثرة إلا أنها إذا تعلقت بمن تحبهم وتألفهم روحها، تجدها تستلم زمام الأمور فتبادر بالحكايات فتوزع ابتساماتها مرحبة بمن حولها تطلق النكت تمازح هاته وتلاطف تلك.
تربت على كتف من تلمس في وجهه مسحة حزن ولا يهدأ لها بال حتى تطمئن على من يسكنون تلك الرقعة القابعة في صدرها .
   الكل يلقبونها بالأيقونة القوية التي لا تهزمها متاعب الحياة ولا تنقص من عزيمتها، تتغلب عليها بحكمتها تارة وبالدعاء تارة أخرى، وفي كلتا الحالتين تردد الشكر كونه توفيق من الله، متفائلة جداً فأصبحت عنوان لرفع المعنويات فكل من يحبط يعود لها عله يجد الدواء لاكتئابه.
نصائحها ثمار تهديها لكل من احتاجها ،هكذا نراها بأعيننا المحبة لها قد لا تكون مثالية ،لكنها هي كذلك بالنسبة لنا رغم عيوبها التي لا تُرى أمام محبتنا لها.
تغيرت طباعها تغير كل شيء فيها، اغتنمت فرصة انفرادي بها، فسألتها ماذا حل بك حبيبتي؟  ما الذي غير حالك هكذا؟
    سكتت لبرهة من الزمن كالذي يرتب كلاماً مبعثرا في فمه ثم أغمضت عينيها حتى خلتها تسترجع شيئاً ما ضاع منها  في زحام الذاكرة، فتحت عينيها وقالت بسخرية” علها سنوات عمري، ربما بلغت من العمر عتيا ؟؟؟”
رسمت على وجهها الباهت ضحكة بالكاد تسمع صحبتها تنهيدة حملت بين طياتها غصة غامضة فيها طعم للمرارة وأكملت تقول:
ربما هي تجارب الحياة أو ربما هي تلك المرات التي تجلدت فيها بالقوة وادعيت التماسك وما كان علي أن افعل، ربما هي المرات التي حبست فيها دموعي فأخضعتها لأمري لأكون سنداً لمن حولي فتحاملت على نفسي وقهرتها و ما كان علي أن افعل، ربما هي المرات التي خُذلت فيها ممن أسكنتهم قلبي فبكيت بدل الدموع دم لكنني بعدها عدت وسامحتهم إكراماً لمن حولي،
ربما غيرتني كل تلك المكابرات والخيبات التي تركت ندوباً في نفسي ربما كان علي أن ابحث حينها عن حضن ابكي فيه كطفل صغير نام واستيقظ فلم يجد أمه بجانبه أو كرضيع فطم عن صدر أمه، ربما كان علي أن أبحث عن من يربت على كتفي من يشد ظهري من يقول لي “تماسكي” فكل مر سيمر.
     تمنيت فعلا لو أنني استطعت أن اعبر عن كل موقف بردة فعل مناسبة له ، فإدعائي القوة في كل ما مررت فيه حرمني أن أعيش صدق المواقف فليست كلها تتطلب منا الشجاعة والصمود ، فالضعف أحيانا رحمة لنفوسنا فلا نُحملها  ما لا طاقة لها به، ومن قال أن الدموع تكسرنا أليست  فعلا نفوسنا هشة تحتاج بين الفينة والأخرى أن نروّح عنها إما بالصراخ أو البكاء،  
لماذا علينا دائما أن نكون أقوياء عكس طبيعتنا ، فتعالينا عن جراحنا و مكابرة آلامنا لتستمر الحياة لن يمر مرور الكرام على نفسك، ستفيقين ذات يوم لتنظري في المرآة فتجدي أمامك شخصا غريبا بالكاد تتعرفي على ملامحه ربما هو أنتِ أو نسخة معدلة عنك، نسخة غيّرتها التجارب، فتشيخ روحك فجأة بين ضلوعك وقد تختفي بسمتك ويقل كلامك،
وأحيانا كثيرة ينفذ صبرك لأتفه الأمور،  لهذا اعذريني إن تغيرت عليكم فأنا أصبحت بالكاد أعرف نفسي.

إقرأ أيضا:فراق بقلم راما فكري عاصي

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم لين إرشيد
التالي
إصدار كتاب أحداث أيلول للكاتب: محمد بني ياسين

اترك تعليقاً