القصّة القصيرة

زيارةٌ على غير عادة بقلم:”نوال عبدالله العظامات “

زيارةٍ على غير عادة

منذ أن أبصرت عيناي هذه الحياة وصرت أتحسس الأشياء من حولي وجدت أن أكثرها ثباتاً وتأصلاً في نفسي ذاك الحب الذي تسرمد ورتقى إلى حيث مرتبةٍ عليه فلن تظن أن من بعده ولا قبله شعوراً سيجاريه وينال بعضٌ مما فيه، متلونٌ هو بكل لونٍ للحياة،فيه فيضٍ من حنانٍ وطمأنةٍ.
وحتى روائحه تلك التي تغلغلت في داخلي بهيةٍ أخّاذه، مزيجٌ هي من خبزُ أمي وُبنّها عطرالياسمين على نافذتها عطورها المتنوعة وحتى مذاق طعاماً تعده فريدٌ من نوعه لا يمكن تذوقه في اي مكانٍ آخر.
ومنذُ زمنٍ طويل لم تغِب أمي عن البيتِ أيامٍ متواصلةٍ هكذا، كانت دائماً تشارك الآخرين مناسباتهم تزورهم وتعود إلى البيتِ مَلهوفةٍ مسرعة؛ تُطمئِن قلبها الذي يعلن انتفاضةً إن طال غيابه عنا، كانت دوماً تسعى ليكون جميعنا بحالٍ أفضل وننعم بالراحة.
هذه المرة طال غيابها عنا وأخذت دون عِلمها الراحة معها، ربما الأخيرة هي من تشبثت بطرف ثوبها ورافقتها ، بالنسبة لي غيابها عني كان أكثر إيلاماً من شرخٍ وسط غيمةٍ أروت الأرض العطشى فيض دموعها حزناً،ولا تود لأحد الإقتراب منها ولا حتى محادثتها أيضاً أود لو أنني أصرخ مثلها أُرعب الأرض كلها بصوت رعدي، كأنما خناقٌ ويضيق كلما إشتقت إليها أكثر أزدت إصراراً على عنجهيتي مع الآخرين .
توصيني أمي دوماً أن أكون خيراً حيثما حللت،ملاذ لطفٍ لأخوتي وجناحٌ كمثلها أضفي عليهم شيئاً يشبه حنانها حتى لا يشعروا بنقصٍ ويتفاقم أمر غيابها في صدورهم ويشعرون بوحدةٍ وسط زحام أو غربةً في وطن، وهي لا تعلم إنني أشدهم إحتياجاً لها.
أنا يا أمي كتفاً هشً من دونكِ لا يمكنني أن أسندَ رأسٌ دنا إلي متثاقلٍ من حملِ أفكارهِ ، أحس وكأنني لا أكبر من دونكِ وفي داخلي طفلةٍ.
طالما تمنيت لو أن بيدي منحك شيءٍ عظيم كأن أعطيكِ كل السنين التي سأعيش أو أسكب في جسدكِ عافيتي أود لو أنني لا اتزحزح من تحت قدميكِ تلك حيث الجنان التي على الأرض، حيث الملاذ والمأمن .

إقرأ أيضا:شارع المتنبي بقلم : هناء عبدالله

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
حُبٌ من نوعٍ خاص بقلم:”نوال عبدالله العظامات “
التالي
“أختي” بقلم ميس الريم سامي زريقات (خاطِرة)

اترك تعليقاً