متفرقات أدبية

مُتمسكٌ بالحيـاة الجزء الأول للكاتب يوسف الغنيمات

اليوم صَـفر.
جالـسٌ فـي تِلـك الغرفـةِ الكَئيبة ذاتِ الإنَـارة الخـافِتة والجُـدران المُهترِئـة ، بجـانِب والـدي الـذي يَرقُـد عـلى سَريـر الشّفـاء ، عائِـمٌ بيـن أفكـاري يتَملّـكني القلـقُ حَـول أهـوال الدُنيـا التـي أرهقَـت قَلـب والـدي لِترسـوا بِـه الـى هـذه الحـال ، أسترجِـعُ جميع ذِكريـاتي السّـوداء التـي لا أرى غَيرها ، وأطُـوف بينـها باحِثـاً عـلى بَصيـصٍ مِـن الطّاقـة لأُكمِـل هـذه الليلـة ، لا أرى فـي عَقلـي سِـوى الخـوفَ والألـم ، أتعمّـقُ بـه ليِحملـني الـى اليـوم صِـفر ، بِـداية الرحلـة المؤسفـة للتخلُـصِ مـن جَميـع الهُمـوم التـي تشَكّلـت لِتسُـد طريـق الحيـاة فـي شراييـنْ القلْـب ، إنطلقـتُ مُسرِعاً فـي الفَـراغ بـلا وِجهـة ، مـن دون إبصـار الطّريـق ، كُـل مـا كُنـت أفكِـر بـه هو الخضـوع بيـن يـدي والـدي ، مُتمنياً نقـل جميـع الآلامِ الـى قَلبـي فَلـم أعُـد أكتـرثُ لـه منـذ أعوام، ومـدّه بالقـوة اللّازمـة لِتخطـي هـذه المِحنـة ، مُتشبـثٌ بيـده وغـارقٌ فـي سَـراب ذِكريـاتي الهائِمـة وكـأن كُـل لحظةٍ عِشتُـها فـي المـاضي أتَـت لتَزورنـي فـي الحاضر مستهزئتاً فـي حالـي ، مُحـاولاً تَشتيـت ذِهنـي عَـن سمَـاع تِلـك الحُنجـرةِ الحنـونة التـي لطالَمـا إحتوتنـي فـي حَنينـها ، تُناجِـدُ ربّهـا لِتخفيـف أهـوال جسَدِهـا الطّـاهر المُرهَـق.
َذهبَـت بنـا الحـالُ الـى قِسـم أمـراض القلـب ، وخِـلال فَـترةٍ وجيـزة بـدأت تَظهـرُ عـلى عينـايْ مَلامِـح الرّاحـة مـن خلـف تِلـك الهالـةُ السّـوداء التـي زيّنـتُ بِـها وجـهي لِتمتـدّ الـى وجنَتـيّ ، حيـنَ رؤيَتـه فـي سُبـاتٍ هـادئ ، كأنها إستراحـة مُـحاربٍ إنتَصَـر فـي مَعركَتـه الأولى ،ويَستعِـد للإنتِصـار فـي حَربِـه مَـع المـرض.
خَـرجت لأجِـد نَفسـي فـي ممـراتٍ طـويلة لا أرى فيهـا سِـوى الألَـم والذّكريـات المُمزقـة ، كـأن كُـل شِـبرٍ فـي جُدرانِـها يحكـي لـي حِكايَتُـه الخاصّـة ، وفـي كُـل غُرفـةٍ قصـة حـزينة تَختَلـف فـي النهايـات وتَتشابَـه فـي الفُقـدان ، أسيـرُ بَينهـا مُحاولاً شـقّ طـريقي باحِثاً عـن تِلك الرّوايـة ذات النهايـة السّعيـدة لِأستَمـد مَنهـا الأمَـل ، فـلا أرى سِـوى عُيـون الأطِبـاء المُتحجّـرة المُـرهقة التـي مـاتَت المشاعِـر فيـها لِتـرى فـي داخِلِـها مـن خلـف إحمـرار الأعيُـن البالِية العَديـدُ مـن النّهايـات المؤسِفَـة ، والأسِرّة الفـارغـة فـي كـلّ زاويَـةٍ فـي أركـان مَمراتـه يُحيـطُ كُـلاً مِنها مشـاعرٌ مُتحطِمة وذِكرياتٌ مَبعثـرة ، أستَطيـع مَعرفَـة قِصـة كـلٍ مِنـها ، فدائِـماّ مـا يَتـرك المـوت عَلامته الخاصّـة.
تـنقطِـع الرؤيا لِيَحملنـي عَقلـي الـى صَباح اليوم الأول فـي رِحلتنـا داخِـل المَشفـى مُحاوليـنَ جـاهدين إعـادة والِـدي الـى دفءِ فراشِـه المُعتـاد ، فـلا روحٌ للمنـزِل مـن غيره ، فكأنَـنا فـي منزلٍ موحشٍ مهجـور ، وجود أمي هـو مـا يُعيـدُ تَرميـمَ أرواحَـنا المُمزقّـة ، لكّـن لا حيـاةٕ لِأجسادنـا مـنْ غَير وجـود أبي
فَمـا هـو المَصيـر؟

إقرأ أيضا:زفاف خليلي بأخرى

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم هنادي الكومي
التالي
إعترافٌ مقابلَ إعتراف بقلم الآء عبد الجبار كايد

اترك تعليقاً