مقالات ونصوص متنوعة

_
حينَ يَلجُ الشوق إلى الفؤاد

كان يمشي بهدوءٍ تام، ذهابًا و إيابًا، ذابل الوجه، أشعثَّ الشعر، سلك البياض خطًا كثيفًا فيه، هزيل الجسم، تنزفُ عيناهُ دمعًا حارقًا، بدا و كأن الفرح لم يعرف الطريق لقلبه يومًا ما، يلتفتُ قليلًا ثم يعود لحاله، قلقٌ لا مفرَّ منه، تشتتُ أفكارٍ مُزدحم، خوفٌ معتقٌ بالحب، و حُزنٌ برائحة الشوق.
ظَلَّ على حالهِ ما يُقاربُ الخمسَ ساعاتٍ و نصف إلى أن ارتمى منهكًا على أريكةِ عقله، انهمر بالبكاء، تطايرَّ شررُ الحنين من عينيه، و اشتعلت نارُ الشوق بقلبه، و كاد نورها يخطفُ بالأبصار، و لو اجتمع حولهُ كُلَّ الأحبةِ لمن نارِها اصطلوا حزنًا و حرًا، قام مرتبكًا يلفُ بين الجُدران و يتخبط هُنا و هناك، يودُّ لو أن يجد شيئًا يُعينه على هذا الحال، و يلهيه عن ذاك الشوق الجليل الذي أُضرم داخله.
لكن ولات حينَّ مناصٍ و ندم، يبدو أنه لا مَفر من هذا الجحيم الذي سمعت دوي انفجاره داخلي.
و أخذَّ يهمسُ لنفسه: يجبُ أن ألوذَّ بعيدًا عن هذا الحُب بأي طريقةٍ، يجب أن أفرَّ منه.

الشوق كانقطاع التيار الكهربائي عن مدينةٍ مزدحمة فجأة، تاركًا سياراتها تصطدم ببعضها البعض مُخلفةً ورائها دمارًا رهيب.
الشوق كالنهر المتدفق، عندما ينهمر شعورهُ فينا ينحِتُ جوفنا كالصخرِ تمامًا.
الشوق كالبركان الذي يبقى ساكنًا طويلًا و فجأة يثور، الشوق اعصارٌ و فيضانٌ. نارٌ و حربٌ. لكن لا أثرَّ له كُله مكنونٌ داخِل أرواحنا، و كأنه سِرٌ من أسرارِ الكون صَعُب التعرفُ عليه.
نعود..
كادَّ فؤاده يطير شوقًا، وقد برّحَ الشوق به، و ظمئ إلى لُقيا الحبيب، و نازعتهُ نفسهُ إليه، و اهتاجه الشوق إليه، و كاد يذوبُ شوقًا، و أصبحَ يتوهجُ من حرِّ الشوق، و لكن لا سبيل إليه، و لا طريق يفضي إليه، بقي على حاله إلى أن أدرك أنه باتَّ مُستعمرة شوقٍ لا تنقطع.
حينها الجدران الأربعة جميعها كانت مبحلقةً به تندبُ حاله و تنتحب، تودّ لو بوسعها أن تضمه أن تحتويه أن تطبطب على قلبهِ ليهدأ و يسكن و يطمئن أن تقول له سيكون اللقاء قريب، ولو كانت تعِدُهُ كاذبة!
و لكن ما بوسعها كجمادٍ أن تفعل إلا أن تبقى مُبحلقة!!
كان ملتهب الصدر، التعجَت في أحشائه نيران الأشواق، ولكن من يطفئ ضوءَ نارها سوى الموت.
أخذ ينبسُ بعد ما ارتمى أرضًا:
حننتُ ، صبوت و تُقتُ و تشوقتُ، طربتُ نزعتُ غرضتُ، و تخالجني الشوق إليه، خذوني إليه خذوني إليه.
إنها ببساطة حَربُ الشوقُ و ما تخلفُه ورائها من حريقٍ نارهُ لا تخمد ولا تنطفئ.
_هنآء عبدالله طلوزي

إقرأ أيضا:مُتمسكٌ بالحيـاة الجزء الثاني للكاتب يوسف الغنيمات

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
روح هائمة بقلم رنيم خليل الحجاج .
التالي
هل تبصرون؟ بقلم سلسبيل الجراح

اترك تعليقاً