مقالات ونصوص متنوعة

مُتمسكٌ بالحيـاة الجزء الثاني للكاتب يوسف الغنيمات

اليـوم الأوَل
لا أعلـم كَيـف تخطّيـتُ وِحـدة الليـل الموحِشـة الخالِيـة مِـن نـور القمـر ، يمُـر الوقـتْ وأنا لا أسمَـع سِـوى صَـوت عـَقربِ الثّوانـي فـي ساعَـة الحائِـط ، كأنَـه فـي كُـل مـرّةٍ يَـدق فيـها يُذكرنـي بإقتـراب الصّبـاح ومَعرِفـة الإجابَة لِأصعَـب الأسئِلـة المَطروحـة بـل أشدُها قسـوةً مَمـا يُمكننـي التّحمُـل ، بقيـتُ ساكناً طَوال الليـل أدعـوا لِوالـدي بالشّفـاء ، مُخيلاً لِنفسـي وجـودي بِجانبـه ، علـى الرّغـم مـن إستحـالَة البقـاء عنده لِسـوء الأوضـاع ، تراكَمـت الهمـومُ وكثُـرت المشاعِـر لـم أعد أقـوى علـى التفكيـر بِشيئ ، ظَننـتُ لِوهلـةٍ أن نهايـة صمـودي قَـد حانـت فقـد أتـت الألامُ لِتُرهِـق عقلـي وتزيدَه سـوادً ، فَها قَـد حلّـت الكارثـة فـي ظـل فتـرة إستشفـاء نَفسي وتـرميم أجزائـي المُبعثـرة علـى أرضية غرفتـي التـي تخلوا مـن أيّـة حيـاة.
أشـرق فجـرُ ليلتـي وبـدأ نـور الشّمـس يتغلغَـلُ فـي أنحـاء المكـان ، فمـاذا لَـو حـلّ الفَجـر فـي داخلـي ، وأشرَقـت الشّمـس حاضِنـةً بِنورِها جميـعَ أركان قلبـي السّوداء لتنتهـي تِلـك الليلـة القاتِمـة بِمـا يُقارِب السّـلامْ ، وصلـتُ لـوالدي ولَـم أشعـر فـي مسافـة الطريـق ، فَغيابُ البـال والشـرود الهـادئ أصبَـح مـن الأمور الروتينيـة.
مُجتمعـون جميعاً فـي غـرفةٍ واحـدة مُحيطيـنَ سـرير والـدي بالحُـب والدّعـاء ننتَظِـر إجابـة الطبيـب راجييـنَ مِنـه إخبارنـا بمـا كنـا نُريـد سَماعَـه ، ولكـن حِكمـة القـدرِ حاضِرةً لا محالة. فَتأتـي أشـد اللحظـاتِ صُعوبـة ، لِتلحقـها الخِياراتُ المُروعـة التـي تتمثـلُ لحـلٍ وحيـد ، اللحظـة التـي أخبـرنا بها الطبيب أنـه لا عِلاج لهمـوم قلبِـه المُتشكِلة وآلامِـه المُستقـرّة سِـوى الجراحَـة الضروريـة ، شَعـرتُ بأن الزمـن قَـد تـوقف لِوهلـة أم أنهـا الحيـاة ، لَبثـتُ ساكنـاً غيـر قادرٍ علـى الحِـراك ولا أملِك أي سيطَـرةٍ علـى عقلـي ، فمـا زِلـتُ أحاوِل استيعـاب الحاضِـر ومُحاولـة التنبُـؤ بالمستقبَـل المِثالـي ، إلا أن حبـل الأفكـار قـد انقطع حيـن رأيـتُ تلـك النظـرة المأساويـة فـي عُيـونِ أمـي التـي كـادت أن تنطفـئ الشّـرارةُ فـي داخِلـها للأبَـد.
خـرجتُ لأتمالك نفسـي حامِلاً معـي روحـي التي قَـد فقـدت وعيَـها فـي الداخِـل ، وإذ بِـها الدمـوعُ تَنهمِـرُ مـن عينـاي خوفاً ممـا يحمِلـه المُستقبَـل فـي طيّاتِـه
شَعرتُ فـي ثقـلِ الحمـلِ علـى كاحلـي الذي كـاد أن ينكسِـر مُستسلِماً لكـل مـا سَتحمِلـه الدّنيـا علـى أعتاقِـه.
مـرّ الوقـتُ طويـلاً مـن دون أن ينبِـس أحـدٌ ببنـتِ شفـة ،
جَلسـت بجانِـب والـدي ، ملقيـاً رأسـي بيَـن يـديّ ، فلَـن أستطـع حملَـه مـع ازديـاد أثقال همومِـه ، شاردٌ كَالمعتاد لا أقـوى علـى التفكيـر ، كـل مـا كُنـت أراه فـي مُخيلتـي هـو اللون الأسـود الذي يسـري ببطءٍ بيـن أفكـاري ، مُحـاولاً شـقّ طريقـي لكـن دون فائـدة ، أبحـثُ فـي أركانِـه عَـن الأمل ليعيننـي فأجده جثـةً هامِدة مُحـاطٌ بالسـواد القاتِـم غـارقٌ في دمـه القانـي ، لا فائِـدة لي لمحاولَـة إنعاشِـه ، فلا يوجـد فرصـةٌ للهـربِ مـن قَـدري المُحتّـم فأنا القـادِم،
أعادنـي صـوتُ أبي للواقِـع كأنـه كان علـى علمٍ فـي تِلـك المَعركـة التي فـي داخلـي ، مُحاوِلاَ إنقـاذي منها ، كـلّ كلمَـةٍ تخـرجُ مـن شِفـاه موجهةً لـي تحمل بيـنَ حُروفِها أملاً وطاقـة . لتغـذّي روحي وتُطمإن فُـؤادي ، كأنَه يُحـاوِل احتضاني فـي كلماتِـه ، لَـم ألبَـث كثيراً حتـى بدأتُ الإبتسامَـة العفويـة تظهـرُ بصعوبـة شيئاً فشيئاً.
فـي تلـك اللحظة أدركـتُ مَقدرة أبـي علـى تخطـي هـذه المِحنـة فكأنه كـان يُخبرنـي بإبتسامَتِه أنـه سيَعـود للمنـزلِ قـريباً.
لـكنْ ما هـي خسائـرُ الإنتِصـار؟

إقرأ أيضا:تعرفى على احدث صيحة لمانكير الاظافر

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
رَحى حرب، بقلم المبدعة:آية أحمد الخطيب، سوريا، “نص نثري”
التالي
هبة ابراهيم تُبدع في: رسائل لم تصل بعد “نصوص نثرية”

اترك تعليقاً