مقالات ونصوص متنوعة

“في مكان ما” بقلم نور رامز حواري(قصّة قصيرة)

لكلٍّ منّا مكان ما في منزله يحبّ المكوث به معظم الأوقات، وهكذا أنا الفتاة الطّموحة والمتفائلة دوماً أُحِبّ المكوث بالقرب من نافذة غرفتي وأمضي معظم وقتي هناك، وفي إحدى ليالي الرّبيع الهادئ سمعت صوتاً قريباً جداً فسارعتُ إلى نافذتي لأرى ما مصدر ذلك الصّوت فوجدت شابّاً في مقتبل عُمُره ينبش في حاوية المهملات ويحاول التقاط الأواني البلاستيكيّة والقوارير الزجاجيّة فلم أدرك ما سبب مجيئه إلى حاويات المهملات والتقاطه مثل تلك الأشياء.
إلى أن أتى يوم من الأيام وأخبرت عائلتي عن ذلك الشّاب وماذا يفعل في منتصف اللّيل كلّ يوم، وفي تلك اللّيلة انتظرت أنا وعائلتي لنرى ذلك الشّاب فإذا بأبي عندما يراه يفر بسرعة إلى مكان حاوية المهملات ليسأل الشّاب عن سبب فعلته تلك، وعندما وصل إليه حاول الشّاب الهرب خوفاً من أن ينحرج أمام أبي، فسأله أبي عن سبب فعلته تلك فأجابه الشّاب وهو يبكي فقال : أنا الشّاب الوحيد في المنزل ووالداي متوفيان ولدي ثلاثة أخوات وأريد أن أتكفّل بكامل مصروفهنّ، أشتغل نهاراً وفي اللّيل أذهب إلى حاويات المهملات لآخذ منها كل ما يُباع لأبيعه وأعيش من سعره فقال له أبي : وكيف ماتا والديك؟ قال : كنت أنا وأخواتي ذات يوم خارج المنزل في رحلة مع أصدقائنا وعندما عدنا إلى المنزل وجدناه محروقاً بالكامل بسبب قذيفة هاون سقطت عليه واحترق والداي في المنزل، ومنذ تلك الحادثة حاولت ألّا أُنقِص على أخواتي شيئاً وأن أشتغل ليلاً نهاراً رُغم حُلمي أن أُصبِحَ قاضياً ولم أستطع تحقيقهُ، فأعطاهُ أبي ما يستطيع من المال ليسعده قليلاً وتركهُ يذهب لأنّ أبي ليس بيده حيلة وكُلُّ ذلك من أثر الحرب الّتي يتّمت الكثير وشرّدت الكثير وفرّقت الكثير من العائلات وحرمت الأطفال من طفولتهم والشبّان من أحلامهم ومستقبلهم فلم يستطع أحد الوقوف في وجهها أبداً.

إقرأ أيضا:نحنُ أدوارُ المسرحية، بقلم: هيا خاشوق.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
“سكون ليل وسواد فكرة” بقلم سماهر جمال غانم (نص نثري)
التالي
“أنا المنتصر سأصبح قاتلاً” بقلم حياة ثائر جمال أبو غزاله (نص نثري)

اترك تعليقاً