مقالات ونصوص متنوعة

“سكون ليل وسواد فكرة” بقلم سماهر جمال غانم (نص نثري)

“سكون ليلٍ وسَوادُ فِكْرة”

ها قد جُنَّ الليل من جديد، وتوارت هي بين جنبات أحلامها، حَطّت بجسدها المُنهك من دقائق النّهار المُتعِبة، وساعاته المُضنية، آملةً أن تعيد لروحها، شيئاً من سُويعات السّكينة والسّلام، وأن تشعل قنديلاً من الأمل في قلب اختار أنْ يَحطّ أحلامه على كرسي، اتّخذ الشّرفة صديقاً وفيّاً لا يُمل.
هناك بين النّجوم، كان القمر يتبخّتر بروعته، يزهو بحب، كما لو أنّه يحتوينا جميعاً، حتّى بدا يحمل أمنياتنا المسلوبة على ظهره، طامعاً بأن يذكّرنا بها، أو أن نسعى لتحقيقها، وربّما لأنّه يعلم يقيناً أنّ بعض الذّكرى تُسْكِن السّعادة بين دهاليز النّبضات، فتتمتم الرّوح بالدّعاء، ويحتسي الفكر اليقين، لتكتسي الوجوه إشراقاً، ويبتسم القمر مبتهجاً، وكأنّه يستمدّ الإشراق بمقدار ما زرع من بذور السّعادة فوق تلك الشّرفات الحزينة المفعمة بالأمل والإرادة رُغم أنف أشواك الحياة.
رفعت رأسها وكأنّها تُحاكي بتلات النّور الّتي نبتت على عُجالةٍ لتوّها من فيض وفاء البدر وعطاءه.
تساءلت، ماذا لو؟
ماذا لو كانت لدينا طريقة مختلفة في التّعامل فيما بيننا في علاقاتنا كبشر، بوحداتٍ من الطّاقة والحزن والسّعادة تماماً كتلك الّتي تُسمّى بالعملات النقدية ،؟!!!
نعم، ولم لا ؟! وأين الغرابة في ذلك ؟! ألسنا نحن من أوجدنا تلك العملة على اختلاف أصنافها وأشكالها وحتّى قيمتها؟!!
ولشدّة تعلّقها بالفكرة، خُيّل لها أنّ البدر قد ابتسم، وبدأ ينظر إليها بعيون لامعةٍ ثاقبة، كما لو أنّه يُنصت لها باهتمام بالغ، ويطلب منها أن تتابع ما بدأت.
لماذا لايكون المقابل للتّعامل بإيجابيّةٍ مع الآخرين، وِحْدات من الطّاقة والسّعادة ؟!! قالت وهي تنظر إلى القمر، وكأنّها تنتظر منه أن يجيب!
وكلّما احتوينا وأنصتنا لخيباتهم وآلامهم اكتسبنا وعزّزنا أكثر من تلك الوحدات، لتغلب على وحدات الحزن والخيبة المقيمةِ في أنفسنا، والّتي لطالما غَلَّفت قلوبنا بالألم، مخترقةً أرواحنا، حتّى تكاد تصيب الفكر بالهذيان، من هول ما تكالب على أيامنا وأيامهم من ألوان المصائب والفقد والخذلان والعثرات، لكي نملك من الحزن القليل أو حتّى يتلاشى رويداً رويداً، ويغدو رصيد السّعادة مرتفعاً لدينا، ليستوطن الأجساد الفرح، مبشّراً بالهدوء والطّمأنينة.
أعلم ما يجول في خاطرك، ماذا عَنْهم حينذاك ؟!!
قد استحوذنا لِلتوٍّ كَمّاً من السّعادة، نتيجة الإنصات لحزنهم، أَوَ يَغدون بلا مشاعر ؟!
بالطّبع، لا، لأن ما سنملكه نحن هو كمٌّ من الطّاقة،_
” أُخِذت بمقدار محدّد على قدر ماصرفنا من الوقت لأجلهم، في الإنصات لحزنهم، ومحاولة النّصح والإرشاد تارة، والإصغاء بلطف تارة، ومدّ يد العون والمساعدة تارةً أخرى.”
_اللّازمة لمتابعة أعمالنا اليوميّة، أو لتمنع الشّعور بالإرهاق، إرهاقَ الفكر والرّوح والنّبض والجسد، وربما نحتاج الطّاقة تلك، لاحتياج دواخلنا للشّعور بالأمن والأمان والسّلام الدّاخلي المتوازن، إذاً فنحن نحتاج تلك الطّاقة وبشدّة.
بالمقابل هم تخلّصوا من مشاعر الحزن، وباتوا قادرون على التّعايش مع ما تبقّى منها، وربّما ازدادوا رِضاً وقوة، فالشّعور بأنّ أحدهم يَهتم بك، ويحاول لأجلك، تُبقي على جِراح النّفس آمِنة، وتجعل منّا إنساناً آخر يسعى من جديد، لتبدأ السّعادة تعانق أرواحهم مرةً أخرى.
ببساطة هكذا يتم الأمر، الاحتواء مقابل الطاقة، وتحرير المشاعر السلبيّة مقابل السعادة، بشرط، أن ما تبوح به يبقى طَيّ الكتمان في نفس الآخر، وإلاّ سيفقد طاقته، وبالتّالي قدرته على محاولة امتلاك الطّاقة من جديد، فلا طاقة له لذلك، وفي النّتيجة إفشاء السرّ سيفقِده السّعادة لا محالة.
قطفت زهرة جميلة من على شرفتها، ورفعت رأسها مبتس، كما لو أنّ تلك الفكرة حقيقةً لا سراباً يعانق الخيال، لتجد القمر قد اقترب من مجموعة من النّجوم يُصغي لأنوارها بفرح، وكأنّه اطمئن هو أيضاً للفكرة، وبدأ يَكْتنز الطّاقة، ومضى سعيداً لينشر الأمل والسّعادة من جديد.

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم نور مروان ملكاوي

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
شوق محب، بقلم: نور مضيها، “خاطرة”
التالي
“في مكان ما” بقلم نور رامز حواري(قصّة قصيرة)

اترك تعليقاً