مقالات ونصوص متنوعة

نحنُ أدوارُ المسرحية، بقلم: هيا خاشوق.

“نحنُ أدوارُ المسرحية”

 

تركضُ ريتا في الممر بعدَ أَن سمعت ذاكَ الكلام وصوتَ الرصاصة، تفتحُ أوّل غرفة و تصرخ : باسكال، ما من إجابة غيرُ صدى صوتُ خطواتها

قُتِلت ! ، تصرخُ في وجه الفكرةِ نفسها مرة أخرى محاولةً رفضها : باسكال !!

و تفتحُ باب الغرفة، بُقعةُ دماءٍ على الأرض في وسطها جثّة صديقة الطفولة ورفيقة العمر.

تجتاحُ وجهها أمارات الصدمة بعدَ انفجارٍ هائل و تتجلّى في خيال ريتا كلُّ المرّات التي حاولت فيها باسكال إخفاء أنّها في وسط الخطر عن أقرب الناس إليها وكلُّ المرات التي مثلت بها أنها تعيشُ الحب مع روميو وهيَ فعلياً عالقةٌ مع الشيطانِ نفسه

كيف لم تنتبه ؟ كيفَ لم تُحرق بنارٍ كانت تحاصرها كلَّ تلك الفترة.

 

آخر رسالةٍ وصلت لريتا قبل أن تُقلِع بسيارتها إلى المكتب القديم كانت عبارةٌ عن سطرين فقط:

إن كنتِ تُريدينها حية فنصفُ مليون دولار و كُلُّ تأخيرٍ سَيُضاعف المبلغ، عند المكتب القديم إذاً ..

نصفُ مليون ! هيَ نفسها لا تحلمُ بهذا المبلغ

توجهت إلى المكتب لتُجري نوعاً ما من المقايضة أو لتطلب مهلة محددة يمكنها فيها جمع شيءٍ من المطلوب.

إقرأ أيضا:ليتني كُلُ ما يَنْظُرُ إِليَكْ.

تصل ريتا إلى البناءِ القديم، و يتصلُ الخاطف

فتُجيبُ كمن يُحاولُ التشبثَ بشعرةٍ فقط : -أين هي لديَّ حل ..

تُسمَعُ صرخةُ باسكال وهي تقول : لا تأتي !

صمتٌ يعمُّ الأجواء حول طرفي المكالمة

تُعيدُ باسكال :لا تأتي يا ريتا

مجيئك سيحرر حياةً لن يحرر قلباً ولا مشاعر ولا حتى روح ..

لمرة واحدة في حياتي شعرتُ أنَّ الأحلام قد تغدو حقيقةً في يومٍ ما و كنتُ أُجهزُّ كل كياني ليومٍ أبدأ فيهِ حياةً مع شريك الحب هذا

و لكن يا ريتا.. لا تأتي الحياةُ و في يديها هديةٌ مُغلفةٌ بإتقان لتقولَ: مفاجأة! لا تصنعُ الحياة الهدايا، بل تحيكُ لك المآزق فتصفعُكِ وتزيدُ الصفعاتِ و تلك مفاجأتها لك

و أنا أتى مأزقي بعلاقتي معه، كانَ آخر صفعةِ حياةٍ والتي لم أقوى على القيامِ بعدها

أتحسبينَ أنِّي لم أنتبه أنني عقدتُ صفقةَ الحب مع الشيطانِ نفسه؟ أم يحسب هو أني سأكونُ عمياءَ الحب الأعظم ؟

كنت أعلمُ مع من أنا وكنتُ في أشدِّ لحظاتِ رؤيتي له لكنِّي و بطريقةٍ غبية توقعتُ من ذاتِ الحياة التي حاكت لي المأزق أن تصنع مخرجاً من ورطتي هذه

فانتظرتُ و انتظرت

حاولتُ بكل السبل أن أُغيِّرَ من القصة

إقرأ أيضا:كيفية الاحتفاظ بالورود لفترة أطول

و لكنَّها الأدوار محتمة علينا، مهما حاولنا تغيير النص لن تتغير المسرحية

أما الآن فسأختار أن أُنهي الدورَ أنا..

تختطفُ باسكال المسدس، و تنظرُ لروبن نظرةً يرى فيها كُلَّ خيبتها

و طلقةٌ في الجمجمة، لتُسدِلَ بنفسها الستار.

 

بعدَ سنتينِ من الحادثة تكتبُ ريتا :

عزيزتي باسكال، أفتقدكِ كثيراً، مع أنني أراكِ في كلِّ الآمالِ الخائبة

بالأمس رأيتك في عيونٍ زرقاء لطفل، الطفلُ غاضب و العيونُ تَحصرُ دمعاً، يُريد أن يلعب، و اللعبُ في حالته مستحيل، رأيتكِ في إرادته إرادة طفلٍ مشلول يُريدُ أن يركضَ كغيره و الحياةُ أعطته دورَ العاكف عن الحراك

و النهارُ الذي قبله رأيتك على متنِ جناحِ طائر، الطائرُ مسقوم، و الجناحُ مكسور، وسربُ السمامِ يبتعد، بقيَ وحيداً لا ينتظرُ شفاءه، بل ينتظرُ موته، ما فائدة عودته مع خيبةِ المَنسي

رأيتك في البردِ القارص ليلةَ رأسِ السنة، و رأيتُكِ في خوفِ المشرَّدِ من الأجواءِ حينها، رأيتك في كلٍّ من خساراتِ الحب ودموع المُحبِّين، و في عجزِ الفقير، ويأسِ المريضِ و في من سُلِبَ منه الشغف

في كلِّ الأدوارِ التي محتم عليها الشقاءُ و الكَسر والعسر

و سأظلُّ أراكِ و أنا أعلمُ ذلك

و لو كنتِ بجواري الآن لسألتِ لِمَ أفتقدُ أو أشتاقُ إذاً؟ إذ أنَّ لونك حاضرٌ في كلِّ اللوحات؛ لونٌ رمادي باهت أينما أشحتُ عيني أراه

إقرأ أيضا:على رفوفِ الذِّكريات

و الإجابةُ هيَ أنني أفتقدكِ بلونٍ غيرَ ذاك الأخير، أفتقدُ وجودك بدورٍ هَني، لا أطلبُ مثاليته بل أن أجدك راضيةً في نهايةِ المطاف، أتحسس في ذهني دوماً تفاصيلَ تلك الأحلام التي طالما حلمناها معاً كَأن آتي إليكِ في أيامِ العطل وتستقبلني بحرارةٍ ابنتك التي أسميتيها ريتال كنوعٍ من دمجِ اسمينا، أو أن نختارَ معاً ماذا سترتدين في مناسبة ذكرى زواجك هذا العام، أفتقدُ أنَّكِ لم تصلِ إلى مرادك هذا وحياةٍ كتلكَ التي وددتِ لو حصلتِ عليها.

أمقتُ الحياة جداً يا باسكال، منذُ رحيلك وأتمنى لو أستطيعُ أن أُعيدَ توزيعَ الأدوار، لأعطيتكِ أفضلَ الخيارات و أجملَ النهايات غيرَ النهاية التي شهدتك فيها جثةً هامدة..

غيرَ النهاية التي كنتِ فيها راحلة و كنتُ فيها مصدومةً خاسرة..

 

#هَوَى

 

هيا خاشوق

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
كُنّ ربانيّاً، بقلم المُبدعةَ: فاطِمَة ميّا “نص نثري”
التالي
ربيع القلوب، بقلم: أسماء سالم علي

اترك تعليقاً