مقالات ونصوص متنوعة

رماد الحرب، بقلم : مي خليل أبوعودة، “نصوص نثرية”

رمـادُ حــــــرب
الحربُ قد أعتقلتكِ بين جدران الأرض أخذتكِ و أخفتكِ بين ثناياها بحياءٍ وإستياء، فحُزني وألمي على وطنٍ أنشدتُ له النشيد في صباحٍ شتوي.
 فلاقاني برصاصٍ في المساء، الحربُ قد سجنتكِ بين جُثـثِها وضحاياها، فمُناداتي لِاسمِكِ قد تحول
إلى أين الجُثه.
أمي يا مرأةً عجزت الأبجديةُ عن الإيتانِ بكِ فأفشل دومًا عند كتابتي عنكِ، فعندما أقرأ حروف الأبجدية على الورقِ أشعُر بأنها ناقصة، فهي لن تستطيع التعبير عنك، فثمانٍ وعشرون حرفًا لن يجسدوكي سيدتي، الحربُ قد أخذتكِ بقسوة وانتشلتكِ من عالم الأحياء وألقتكِ بعالم الأموات الهادئ، أشعُرُ بألحان الحُزن المخفيةِ بين أضلُعي بحياءٍ، أشعُر بها وهي تحاول اقتحام عزائِك برقي، تُريد إخراج الحزن بشكلٍ أنيقٍ ليُناسب إمرأةً مثلكِ، حزنٌ أنيق في عزاءٍ أسود اللون, أمي إشتقتُكِ قد مضى سنةٌ وستةّ أشهر على اعتقالكِ و وضعكِ بين جدران القبر آلمتني الحربُ فالحربُ لا يوجد بها منتصر إن الحرب خاسرة، فالطرفُ الفائز قد خسر إنسانيتهُ والطرف الخاسر قد خسِرَ مشاعِراً خصّها لأشخاصٍ قد سكنوا بداخل أيسر الصدر، أمي، أحضان الموت قد أخذتكِ و تركتني لشعور الحنين، فحنيني لِضمكِ قد بلغ السماء، فقلبي
جريح وذاكِرتي تطرُق أبواب الحزن و الألم.
حدادي ليس عليكِ حدادي على حُضنٍ قد تشبثَ بي، وعلى يدٍ كانت تُغلغل أنامِلها بين خُصلاتِ شعري عند النوم، وعلى دُعاءٍ كان يخترِقُ سابِعَ سماءٍ، إلى خالِقٍ لا يردُ دعوةً ولا حاجة،.
لعنةُ الله على حربٍ قد سلبتني من حُضنكِ ونزعت أناملكِ من شعري، وعلى حربٍ قد قطعت دعاءَ طاهرةٍ لربها، لعنةُ الله على حربٍ قد شوهت عينانِ شديدتا السواد، ومسحت إبتسامةً على ثغر مولاتي، لعنةُ الله على حربٍ نسفت يداكِ و جعلتها من قطعةٍ إلى أشلاء.
أناجيكَ خالِقي و أدعوكَ يا ذا الجلال أن تعمَّ عليها راحةً و ضياءً في جدران قبرِها.
سيدتي اليومُ هو الحادي عشر من عام ألفين و خمسةَ عشر، أجلسُ انا وأخي فوق قبرٍ قد ضم جسدكِ، طرقتُ حجر القبر بيدي ولكن لا من مُجيب.
فالصخرُ ثقيلٌ والحُزنُ كبير.
يقرأ لكِ أخي بعضًا من آيات الرحمن فأقول لأخي : كم اشتقتُها
فيقول أخي : هذه هي الحياة، تُلقي بين أيدينا لُعبةً حلوة الشكل، وتعود بأخذِها منا بِكُل قسوة، فتعوّدي يا عزيزتي ما تملكينهُ اليوم، ستفقِدينه غدًا.
 فأردُ عليه و دموعي تسبِقُ كلماتي : ها أنا اليوم فوق التراب أشتمُ رائحة الفقدِ وخذلان الأرض، أعترف أنني لستُ صابرةً نعم، أعترفُ أنني نادمةٌ على التقصير بحقِها، أتمنى أن تعود كي ا
أحتضن أنامل يداها بأناملي
أشعر بيد أخي فوق كتفي فيقول لي : لا تبكي فالبُكاء موجِعٌ بحدٍ كبير و أعترف أنني أيضًا حزين ولكن الحياة إمتحان إما ان تقدم أورق النجاح أو الرسوب وانا أتمنى أن تكوني من الناجحين بهذا
الإختبار ألقي بذكرياتِكِ المؤلمة بعيدًا
أضحكُ من بين دموعي و أقول : ذكرياتي !أتقول ذكرياتي ؟ وأن أُلقيها بعيدًا أخي ذكرياتي جريحه فنزيفُ ذاكِرتي قد طغى على ذكرياتي الأخرى سأعود اليوم إلى البيت خائبة و محملةً بحقائب ذكريات مؤلمة فخلايا دماغي تتعارك على حمل لقب الخيبة الأولى .
أنظرُ إلى أخي بأعيُنٍ قد أهلكتها الدموع : أخي من سيضمد نزيف الذاكرة؟ و يسقط لقب الخيبة الأولى إنني بجاجةٍ لجرفٍ من تراتيل صوتها أقف و أتثرُ التراب الذي ملأ أطراف عبائتي الهزيلة، وأحثّ قدماي على السير إلى الهاوية .

إقرأ أيضا:أَحُدُ عِبادِ الله

#مي_أبوعودة

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
زاوَيةَ الكِتمان/بقلم:تمارة علي فاضل”نصوص نثرية”
التالي
كم تبقى من العمر ، بقلم : تالا إيهاب زكي

اترك تعليقاً