مقالات ونصوص متنوعة

كم تبقى من العمر ، بقلم : تالا إيهاب زكي

بعَد طُول لُقيا وَصَبر وَأَخِيرًا سَتَفرَح تلكَ العَجُوز المِسكِينَة الواهِنَة بالشّخص الوَحِيد الباقي لَها، جاءَ اليَوم المَوعُود وَالفَرَح يَعتَليها  ها قَد صارَ ابنها عَرِيسًا، يَنتابها البكاء وَلا تبكِي، وَكيفَ تبكِي وَقرّة عَينها الوَحِيد عَلى أَعتاب تَأسِيس أُسرَة، أَخَذَ العَدُوّ مِنها كُلّ ما تملِك، حتّى أَولادها وَفلذَة كَبدها رَحلوا مَعَ تلكَ الرّصاصات المُطلقَة بِلا رَحمَة، وَلَم يَبقَ
سِوى ذلك الصّغير، بِقَلبٍ مُتعَب وَجَسد وَاهِن وَهَزِيل وَعَقل تعبَ مِن التّفكير بِالسّعادَة، ها هِيَ ذا لَقد جاءَ يَوم سَعادتها فَما لَها لا تَسعَد، تَشعر بِنَفس ذلك الشّعور، عِندَما جاءَها جُثمان وَلَدها الأَكبَر، تطرد تلكَ الأَفكار مِن عَقلها وَتَعود لابنها اليَوم يَوم فَرَحه وَلا مَكان لِلحزن، لا تَزال هُناكَ صَخرَة كَبيرَة وَثَقيلة عالِقَة في قَلبها، وَفي ثَناياها هُناك مَن يُرَدِّد تَرانِيم الشّهَداء، تُهدّئ نَفسها وَتَقول : تَحمّلي تَحمّلي لَقد قارَبَ الوَقت وَسَتَرتاحِين مِن ذلك الخوف، فَجأَة وَبِدُون مُقَدِّمات تَسري رَعشَة في جَسَدها الهَزِيل، وَصَوت بارُود وَنار يعمّ الأَرجاء، صَرختها المدوية تَهُزّ الأَرض، تَعجز حتّى عَن النّحيط، لَم تُعد تَتَحَمَّل تُرِيد حَياتها السابقَة، تُرِيد إِصلاح ما خَرّبه الزّمن ولكن بِلا فائِدَة، آخر نَسلها وَآخر أنفاسها، قَلب الأُمّ لا يُخْطِئ دائِمًا عَلى صَواب وَخاصَّة في الآلام، نُواح هُنا وَهُناك وَهيَ تُفَكّر بِزَمَن مَرّ وَذَهَب، ترى كَم سَتَعِيش بعد هذه اللّحظَة، رَصاصَة الأَعداء قَتَلَت كُلّ ما تَملك ولكن لَن تَستَطِيع قَتلَ حبّهم لِوَطَنهم ، سَيبقى الشّهِيد عَرِيسًا ، وَسَتَبقَى أُمّهُ فَخُورَة ….حتّى لَو فَقدتِ الجَمِيع وَباتَت وَحِيدَة، هذه والِدَة شُهَدائنا وَأَبطالنا، وَهِيَ قَوِيَّة تَلِيق بِمِنصَبها ……
الأُردُن

إقرأ أيضا:حنين وألم، بقلم:فاطمة سعيد ماوردي”خاطرة”

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
رماد الحرب، بقلم : مي خليل أبوعودة، “نصوص نثرية”
التالي
معشوق حرف ضاع بين التيه، بقلم : إلهام عبدالشكور محمد زين

اترك تعليقاً