Funny

نص نثري بقلم دانية راعي

(لا سكون في الصمت)
.
عرفت أنّك رياح عاجزة.

تارة كنتِ طمأنينة
فحملت بعضك من يوسُف إلى أبيه
السلام والرحمات عليهما
حتّى صارا والحب السّماوي معا!
وتارة أخرى كنت مهلِكة, فأضمرتِ عذابا أليما.
وها أنت تصغين إليّ رفقا, كما لو لم يصغِ يوما أحد!
ملأت رئتي لئلا تضيقا
ربّتتِ على كتفي, أحكمت الإغلاق على قلبي,
ليصبح معصوما من مساس شعور لا يُنزع.
تشبّثت بيدي
تسلّلت إليّ بعمق
حتى وصلت إلى خزانة طفلة
وأوراقها الصغيرة
وأمنيات ليست أرقّ من أناملها, كدت أن تُطلقي عنانها, وتأخذيها حيث شاءت, إلّا أنّك عصفت على عينيّ وهمستِ:
يوما ما وإنما ليس الآن.. ليس الآن.
حينها جزمت أن هذا كلّه لم تفعليه بمفردك.
صداكِ أدمى معصم غبطتي
محا وجهي السعيد
فاكفهرّ ووجم
أوصد الخزانة
واختلس الصّغيرة
وبعد أن مزّق الأوراق
ظلّ يتردّد وأنوح!
بحثت عن أيديك وأدبرت إلى نافذة السعادات المنسية
ألا يرحل ارتعاد اللقيان مع انقضائه؟
كان للذكريات شفافية تحفظ بقاءها بدوام تحطيمنا
فلا سكون في الصّمت كما يُعتقد!
غير أن من يلعق الأشياء الصامتة تأمّلا يسمع نجواها ويعتقد الكثير.
يسمع المرايا وهي تبوح:
نرى البؤساء
يشاطروننا الوقوف والمأساة
ولأنهم يعترفون بماضينا ذاك _السيليكا ثم الزجاج_
ورهاب الماء منّا
لأن الحرارة المرتفعة
وألم بتر أطرافنا في المقصّلة يحزّ في صدورهم
كانوا مرهفين ببؤس.
يعرفون أن الهواء يجفف أثر البكاء ولا يقطعه
وأن الماء لا يدخل إلى أعماقنا
فالطلاء الذي يعكس وجوه التعساء يحجبه عنّا
أولئك الذين نختنق ليروا حناجرهم المرتفعة
وأكتافهم الرحيبة!
هذه الرّياح لا تملك سوى أن تنثر حبّات الطلع فتشغل الرّبيع
وتنتشل الأقاحي من أغصانها
وتسبّح لربّها
وتميل شموخ الأشجار البالية
وتوقظك
ونحن وأنت
ونحن وأنت
لن يصغي إلينا المغفّلون.

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم سندس الحاوي

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم سارة شقيف
التالي
نص نثري بقلم رنين قزاز

اترك تعليقاً