مقالات ونصوص متنوعة

مقال بعنوان الغريب والجميلة بقلم الكاتب مالِك حمّود(نص نثري)

 

الغريب والجميلة

كانَ هُناكَ شابٌّ يجولُ أماكِنَ كثيرةً بحثاً عن شيءٍ يُلهِمُهُ ليكتُبَه ؛ حيثُ كانَ يُحِبُّ الكتابةَ كثيراً وكانَ يَعُدُّها أحدَ الأشياءِ الّتي تساعدُ المرءَ في التّرويحِ عن نفسِه.

كانَ متشوِّقاً لزيارةِ إحدى القُرى لروعةِ ما سمِعَهُ عنها حيثُ قِيلَ لهُ بأنَّهُ سيجدُ ضالّتَهُ هُناك ..

عندَ وصولِهِ القريةَ ذهبَ إلى الفُندُقِ لِيضعَ حقيبَتَهُ ثُمَّ ينطلِقُ بعدَها في جولةٍ كانَ يعوِّلُ عليها الكثير ،

سألَ عن أجملِ إطلالةٍ في القرية ثُمَّ مشى إلى مَقصدِه باحِثاً عن شيءٍ مُلفِتٍ يستحِقُّ كُلَّ هذا العناء ،
في طريقِهِ إلى هناكَ كانَ يُمتِّعُ ناظِرَيهِ بالأجواءِ الرّيفيّةِ الجميلةِ والمناظرِ الخلّابة…

عندَ وصولِهِ إلى المكانِ المقصود فتحَ حقيبتَهُ الخاصّةَ بأدواتِ الكتابةِ واختارَ مكاناً لِيجلِسَ فيه فوقَ ذلكَ الجبلِ المُرتفِعِ حيثُ يُطلُّ على الكثيرِ مِنْ المناظرِ الجميلةِ والحقولِ و البساتينِ والمزارِع ..

بعدَ محاولاتٍ كثيرةٍ فاشِلةٍ وتمزيقٍ لِعشراتِ الأوراقِ ورَميِها أُحبِطَ تماماً …
قامَ بتغييرِ مكانِ جلوسِهِ علَّهُ يرى شيئاً مُختلفاً ولكن لا جديدَ يُذكَر ..

و بينَما هو على هذهِ الحالِ البائِسَة ، وإذْ بِصوتٍ جميلٍ لَمْ يُتلى على مسمَعِهِ بتاتاً بِمِثلِ عُذوبَتِهِ ورِقَّتِه… : ” معذِرةً ” ، أدارَ وجهَهُ بِسُرعةٍ و كانَ قد تملَّكَهُ فضولٌ لَمْ يشعرُ بِهِ من قبل ؛ أرادَ بِتلهُّفٍ أن يعرفَ مَنْ نطقَ تلكَ الحروفَ الّتي كانَ وقْعُهَا مُبهِراً جِدّاً ،

إقرأ أيضا:مرٌ هذا العمر بقلم: سارة

وإذا بها فتاة ، فتاةٌ جميلةٌ جدّاً ،
وجهٌ ملائِكيٌّ كلوحةِ فنانٍ مُبدِع ،
عينانِ خضراوتانِ كلونِ الزُّمُرُّد ،
تمتزِجُ كُلُّ ألوانِ الطّبيعةِ داخِلَهُما ،
فتاةٌ يُمكِنُكَ أن تُلَقِّبَها بحسناءِ الحسناواتِ كُلِّهِنَّ ..

ثُمَ قالَتْ : أأنتَ مَنْ كَتَبَ كُلَّ هذا ؟
( كانَتْ قدْ جَمَعَتْ كُلَّ الأوراقِ المُلقاة )

– الغريب ، وقد تداخلَتْ نظراتُ اليأسِ لِعدمِ استطاعتِهِ كتابةَ شيءٍ معَ نظراتِ الإعجابِ بحُسنِ مُحيّاها وامتزجَتْ علـى وجهِه : نعم ، أنا مَنْ كتبَها ..

– الفتاة : في الحقيقة… أسلوبُكَ الكتابيُّ وما خطَّتْ يداكَ لَفَتَا انتباهي و تملّكَني فضولٌ لرؤيةِ مَنْ كتبَ ذلك

– الغريب ( تورّدَتْ وجنَتاهُ كفتاةٍ كانَتْ قد سمِعَتْ إطراءً ما ) ثُمَّ قال : شُكراً جزيلاً لك ، أخجلْتِني .. هذا من لُطفِك

بدأَتِ الفتاةُ تُعجَبُ بهذا الشّابِّ ولكنَّها كما هي حالُ جميعِ الفتياتِ كانَتْ تُؤمِّلُ نفسَهَا بأن يُبادِرَ هو أوّلاً ويُبديَ إعجابَه ..
وبعدَ لحظاتٍ وتبادُلِ نظراتٍ بينَ عينَينِ تلمعانِ وتتلألآنِ مِنْ شِدِّةِ السّعادةِ ويكأنَّ عينَي كُلٍّ مِنهُما تقولُ لعينَي الآخر ‘ أينَ كُنْتَ طيلةَ هذهِ المُدّة ، أنتَ مُبتغايَ وغايَتي ‘ .. قالَتِ الفتاة : بالمُناسَبة ، أنا أتسكَّعُ دائِماً في أرجاءِ هذهِ الغابةِ بحثاً عن شيءٍ أرسُمُه ، ما رأيُكَ أن أقومَ بِرسمِكَ بينما تتأمّلُ وتفكّرُ في شيءٍ تكتبُه ؟ ، فأنا رسّامةٌ لا بأسَ بِها

إقرأ أيضا:مطرقةُ الندم، بقلم: حياة ثائر جمال أبو غزاله “نصوص نثريّة”

– أجابَها : يالَها مِنْ فِكرةٍ رائِعة !
( وهل يستطيعُ رفضَ طلبٍ كان أشبهُ بأُمنية !؟

ثُمَّ بدأَتِ الفتاةُ ترسُمُ ذلكَ الشَّابَ الّذي احتلَّ مكاناً ما في قلبِها في وقتٍ قياسيّ ..
و كانَ بِدورِهِ هو الآخرُ يتأمّلُ عينَيها الخضراوتَينِ لِيكتُبَ عنها ، فلَمْ يَجِدْ أبداً ما يُثيرُ انتباهَهُ أكثرَ مِنْ تلكَ الجميلة .

بعد مرورِ ما يُقارِبُ ساعةً أنهَتِ الفتاةُ رسمَه ، وكانَتْ لوحةً جميلةً كصاحبَتِها لأنّها رسمَتْها بِحُبّ ..

في هذهِ الأثناءِ لم يكُنِ الشَّابُ قدْ كتبَ شيئاً ، ليسَ لأَنَّهُ لا يُجيدُ الكتابة فهو يملِكُ الكثيرَ في جُعبَتِه ، ولكنَّهُ لَمْ يُردْ أن يُهدِرَ لحظةً واحدةً بإبعادِ نظرِهِ عن عينَيها ..

و بعدَ أن أَرَتْه لوحتَها الرّائعة ، كتبَ بِضعَةَ سطورٍ كانَ مُحتواها :

في رِحلتي هذه…
– كانَتْ تِلكِ الفتاةُ تبحثُ عنْ إطلالةٍ لا بأسَ بها لِترسُمَها ، وكُنْتُ قدِ اعتبَرتُها إطلالَتيَ المُميّزة
– اكتشفْتُ أنَّ النّحلَ لَمْ يكُنِ الوحيدَ القادِرَ على صُنَعِ العَسَل
-أخبرني أحدُهُم أن أَجِدَ ضالّتي ، وليتَني أستطيعُ رؤيَتَهُ لأُخبِرَهُ بأنّني ضللْتُ قلبي على إثرِهَا .

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بعنوان “مرحلة ما” بقلم الكاتبة زكية عبدالسلام فرج كبلان
التالي
نص نثري بقلم الكاتبة ملاك محمّد الأطرش

اترك تعليقاً