خاطرة

سلسلة كلثوميات نص ٢ بعنوان ليالي باردة للمبدعة إيمان أحمد الزينات

ليلـةٌ باردةٌ، كما لم تسبقها ليلةٌ من قبل، تلاشـى من الـروحِ دفـؤُهـا، تجلسُ وضـوءَ القمرِ، لا شيء سـواكم، ترقبُ ساعـةَ الليـل، لا فـرق، إن تجـاوزت منتصفَـه، فأنت هنا، والسّمـاء بنجومِهـا، وسكينةٌ تدبُّ بأقدامها ما حولك إلّاك، أنت هنا، وأم كلثوم تصافحُ الرؤى بميعـادِها، ليلقـى جمالَ ما خطّـه مرسي جميل عزيز وبليغات حمدي، وليــلٌ سرمـديٌّ طويـلٌ…
دعـكَ ممـا يشغلُ فكـرَك، ما فائـدة الانتظـارِ، وميعـادُ الزمـنِ يأبى بالقـدومِ، لقـد فاتَـك، فـاتَ الميعـاد…
هنـا كانت البدايـة..
أتعلـم، السّـاعةُ الأكثـرُ حرقـةً، هي انتظـارُك، يمـرُّ شتـاءٌ بأمطـارِه وأنت لا تأتي، يمـرُّ ربيعٌ بألوانه، صيفٌ بحرارتـه، ويمـرُّ خريفٌ مـودّعًـاً أوراقَـه وأنت أيضًـا لا تـأتي.
أتعلـم، أنتَ مضيت، والـزّمن كان أقسـى مما تخيلـتُ، أخـذك بعيدًا دون التفـاتٍ، نيـرانُ شوقـي حـرقت كـلَّ ما بـي إلّاك، دُخـانًا ورمـادًا، غيومًـا وأمطـارًا، الله يشهدُ طـولَ انتظـاري، ولوعـةَ روحي واشتياقي، وحُـرقةَ قلبي الأدهمِ ببُعـدِك اللعين…
ألسـتَ أدرى بأن ما يُشقيني هو النّـدمُ، عاتبتُـك، وألقيتُ عليك ما أضنـى روحـي، لا فائـدة الآن، أنت في مكـانِك ذاك، وأنا بانتظـاري وعتابـي، والنّـدمُ الذي انتشلَ مُقلتـيّ دمعـةً، خطفاً عمّـن يراها، ظننتُ أنّ غيابَـك لا يطـول، وأنّ لياليـنا ما زالت متشبثةً بمخيّلتـك، وما كان لي إلّا أن ألقـى خيبـةً تحُـطّ بي أرضًـا، أشبهُ بقطنـةٍ ترمي بهـا دون أن يلتفـتَ لصوتِـها أحـدٌ، وافترقنـا..
أكفـاكَ بُعـدًا؟ حسرةً وذُلّاً؟ أكفـى روحـي عذابًـا وعتابًـا؟ أكفـى مُقلتـيّ أن تبكيـكَ؟ وأن تجـودَ بدموعهـا؟
لا تلُمنـي، بل ضع وزرَ ما آسيتُـه على بُعـدِكَ، واجعل لنفسـك موضعًـا لحالي، واعطنـي حـلًّا له، فلتـرأفْ بي…
أخبرتُـك بمـدى تشـوّقي لأولِ لقـاءٍ سيجمعُـنا.. كيف ستكـونُ نظـراتُ أعيننـا محدّثـةً عمّـا تحملـه من حُـبٍّ وهيـامٍ.. أولُ ما تتقـاربُ أناملُ أيدينـا.. وابتسـامةً تخطفُ للـروحِ نفسَـها..
أخبرتُـك بما يُخيّـلُ لي.. بأنّ اللقـاءَ يرنـو للفـؤادِ لهفـتَهُ.. وللـروحِ طفـولتَها بحديـثٍ بيننـا.. أخبرتُـك بكُـلّ ذلك.. وبُحـتُ لعينيـكَ بأسـرارِ الهَـوى الّذي أهامنـي وهُمـتُ بـه…
لكـن.. كـان ما لاقيتُـهُ منكَ أشـدُّ بأسًـا.. جعـل الحُـزنَ يغـزو طفـولةَ أحلامـي.. وأرداهـا قتيلـةَ الآلامِ..ومـا عـاد في الـرّوح لهفتَـها.. وأتـى الزّمـانُ بـأيامِـهِ.. والنّسيـان رفيـقُ دربِـهِ.. ليأخـذَ معـهُ كل ما عايشتُـهُ.. من أفـراحٍ تسبـقُ أحزانهـا…
جـروحُ قلبي بندباتِـه وماضيـه.. وأسـى الـرّوحُ بحنينـها وذكـراهـا.. لا تكتـرث بهـا بعدَ الآن.. النّسيـان أخـذها عُنـوةً من أيامـي.. فما عـادَ لهـا ذكـرى.. ومـا عـادَ لتفاصيلِهـا أثـرٌ.. ولّـت مدبـرةً بلا عـودةٍ.. فكمـا نسيـتُ أنا من تتشبثُّ بكلِّ ذكـرى وبـأدقِّ تفاصيلِـها.. ستنسـى أنتَ من لا تُبالـي بأيِّ شـيءٍ يُذكـر…
لتعـودَ أمُّ كلثوم وتقـول…
“تفيـد بإيـه يا نـدم يـا نـدم وتعمـل إيـه…”

إقرأ أيضا:الطفلة المزعجة بقلم لينة يونس منصور

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
سلسله كلثوميات نص ١ بعنوان الاطلال للمبدعة إيمان أحمد الزينات
التالي
رسالة انتحار بقلم ريحان ميلاد

اترك تعليقاً