خاطرة

سلسله كلثوميات نص ١ بعنوان الاطلال للمبدعة إيمان أحمد الزينات


دقّـتِ الساعةُ الثانيةُ عشرةَ منتصفَ اللّيلِ، وحـانَ الوقتُ للهـروبِ من العالمِ، أنفسنـا، حتّـى أفكـارنا اللّعينـة، نتجـردُ من أيّ تزييـفٍ يُملـي ظاهرَنـا، نسافـرُ خارجَ حـدودِ العقلِ، ونهبـطُ في كلمـاتِ إبراهيم النّـاجي حينما رسمَ إبداعِـهِ في إطلالتِـهِ ليترنّـمَ عليها رياض السنباطي بتغريداتِـه، وتتجلّـى عظمـةُ أم كلثوم مستتـرةً جبروت صوتِهـا لتقول :
يـا فُؤادي لا تَسَلْ أينَ الهوى.. كانَ صرحاً من خيالٍ فَهـوى…
نعـم، إنّـه وقتـها، فلتنظـرْ إلى أطلالِـكَ، وتتـأملْ أحاديثَ الهَـوى…
كيف للقلبِ تلكَ القدرةِ بأكملها بأن يُخمـدَ نيرانَ عقلِـه، ويجـولَ دون رهبـةٍ أنحاءَ الهوى الذي ما عادَ يخشـاه…؟.
وحنينُ الشّوقِ ما زالَ يكوي الأضلعَ، والنيـرانُ تتسايـرُ في الدَّمِ ليشتعـلَ أكثرَ بشوقِـه ذاك…
حريةٌ مقيّدةٌ، وعطاءٌ لا متناهي، والهوى ما زالَ، وإرضاءُ النّفسِ جبراً لإبقاءِ الحالِ نفسـه، وعهـودٍ بأدق تفاصيلها تُحفَرُ في الذّكريات، واحتفاظٍ بينك وبين قلبك، لا شيء سـواه…
آه تكسـرُ حواجـزَ الصّمتِ، الخيالِ، وجدرانِ ذلك المسرحِ الّذي يحتضنُه، ودمعـةٌ تنسكبُ خطفاً وتتوارى عمّـا قد يراها، وقلوبٌ تخفقُ بدقاتٍ متسـارعة مستذكـرة آه الشوق الذي أضناها..
التفاتُ القلبِ يسبـقُ التفاتَ النظـر بحثـاً عن عشيـق الروح، مَـن خطف القلبَ بحُسنـه، وتمـرّدٌ على كبريـاء النفس، فتـرى من حولنا حائـراً بالّذي بيننـا، نظـرات الأعين أبلغ ممـا نقولـه، دعنـا نتبادلهـا وبذاك الكـأس المليء بالشوق…
هل رأى الحب سكارى؟
سكارى مثلنـا…
لقد أثملت العقـل، بحبّـك الذي خطـف القلب، دعنـا نسيـرُ والقمـر وحده من يرافقنـا، يرسم طريقنـا، دعنـا نطلق العنـان لأنفسنـا، دعنـا ننسى ما عايشنـاه، قل شيئاً، دع حديثَ أعيننـا، وتتعالى أصوات ضحكاتنـا فرحاً بقربنـا ذاك، بذلنا الكثير كي نصلَ حقاً…
مهلاً، ورفقـاً بي، لا أريـد أن أفيقَ الآن، حذار مما ستقولـه، أرجوك، لا تجعل سمـاء قلبي تبرقُ خوفاً، لا تُذهب ربيع أيامي، ابقَ هنا، دعنا نكمل طريقنـا برفقـة القمر، دعنا نكمل ليلتنـا بحكايات الحب تلك، لا أريـد أن أفيقَ الآن، دعنـي أرتمي بين أحضان شوقـك، سأفتقدك…
رسمت عهداً بيننـا، لا تنسـاه، لا تتجـاوز ما بنينـاه، رحيلك يدمي القلب، يترك ندبـةً لا تزول، وكلما نظرتُ إلى ليالينـا ينزفُ شوقـاً لك، أرجوك، عهودك إن تناسيتها، ومحـوتَ الذكـرى، لا تنسانـي، أنا هنا بانتظـارك…
كان رحيلكَ مبكـراً، أدميت القلبَ تذللاً لعودتـك، كتب لنا أن نمضيَ تعسـاء، هكذا هو قضاء الله وقدره، الروح تتـوق لرؤيتـك، والآلام تتراكم داخلي، إن مضيتَ الآن، ورسمت طريقاً لوداعنـا، كيف لكَ أن تذكرنـي، ستنسـى، والحياة ستغيـرنا، ستلهـو، كيف لك حينها أن تعودَ وقد تاه القلب شوقاً..؟
وضلّت الروح انتظاراً، وابيضّـت العين حزناً وبكاءً على فراقـك، أرجوك، حينها لا تقل شيئاً، أكمل طريقـك، ودعـك منّـي، فكـلُّ ما بي سيبقـى لك، والقلب باقٍ بانتظـارك على أطلالـه.

إقرأ أيضا:قائد معركة حطين

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
مذكراته بقلم إيمان أحمد الزينات
التالي
سلسلة كلثوميات نص ٢ بعنوان ليالي باردة للمبدعة إيمان أحمد الزينات

اترك تعليقاً