مقالات ونصوص متنوعة

شاهد لم يَمت، بقلم: ميس الريم سامي زريقات

ازدِحام الواحدة ظهراً، أبواق السيارةِ العالية، البائعون المتجولون، وحشدٌ وفيرٌ من النّاس ،وصراخُ أمّي “خبز طازج خبز على التّنور” وأنا، هذه حال أسواقنا في هذا الوقت، لقَد كانَت أمّي غاضبةً جداً فمبيعات اليوم قليلةً مقارنةً بمبيعات الأيام الفائتة فاليوم كانَت الحرارة مرتفةً جداً ما أبطأ حركةً النّاس قليلاً، “إنّه يوم سعد بائعي البوظة” هذا ما قالته أمي وهي تمسح العرق عن وجهِها المتعب، حينَ سمعنا صوت إطلاق عياراتٍ ناريّة ليندفع النّاس هاربينَ في الاتجاه المعاكسة، كانَت أمّي تمسُكنِي بيد وتحملُ الخبز بيد وتركضُ بكلّ قوتها حينَ اختلَ توازنها وسقطَت مع الخبز على الأرض، انتهزتُ فرصتِي ورحتُ راكضاً باتجاه إطلاقِ الرّصاص وسط صراخ أمّي التي أضاعتنِي بين الحشود، رحتُ باتجَاه الصّوت وكأنّه بارقةُ أملٍ وجدتهَا فأخيراً سأرى بأمُّ عينِي معركةً حقيقة ك تلكَ التي في الرسوم المتحركة، أناسٌ ببنادِق يتقاتلون، يختبئونَ خلفَ الجُدران ويضربون، وهناكَ فجأةً يخرجُ ذاك البطلُ المغوار حاملاً بندقيته، ويقفُ في وجه أعدائه ويطلقُ النّار غير آبهٍ بأحد ويرمِي بالجميع أرضاً، هذا ما يحدثُ دائماً في الرّسومِ المتحركة، وصلتُ أخيراً ورأيتُ رجالاً يرتدونَ ثياباً عسكرية ليسُوا عرباً هؤلاء الصّهاينة وعلى الجهة المقابلة شبّانٌ عرب هؤلاء الأبطال، لم أجرؤ على الاقترابِ أكثر بقيتُ مختبئاً أراقبُ المعركةً من بعيد، معركةٌ لَم تكُن متكافئة، بنادقٌ ضدد حجارة! هذا غش، كانَ الجنودُ يرمونَ الرّصاص على الأبطال، الذين أختبؤ خلفَ الجدران يرمون بعضاً من الحجارة والقذائف المصنوعةٍ يدوياً كلّما استطاعوا، ليَقومَ فجأة ذاكَ البطل ويقفُ أمامهم بكلّ شجاعةٍ أيّده الله بها ويرمِي بحجارته عليهم غير آبهٍ بهم، ولا آبهٍ بالموت الذي يحيط به، الآن سيدميهم جميعاً وسينتصِر، هكذا قلتُ في نفسي، ولكنّه أصيب بطلقةٌ اخترقت قفصه الصدرِي ليلحقَ بها وابلٌ من الرّصاص ويستقرّ في جسدِه، ويبقَى واقفاً صامداً ينظُر للسّماء ويضحك، لتتجمّد وجوههم أمامَ قوّته، لينظر لهم ويضحكَ أكثر، نظر للسماء وكأنّها تطمئنه وسقط بكلّ ثقلهِ وقوّته وشجاعته على الأرض، شعرتُ بالأرضِ تهتزُّ من تحتِي، ارتجفَ جسدِي وبكيت، ولكنّني شللت حينَ رأيتُ أصدقاءه ينهالونَ عليه يرمونَ الحجارة على الصهاينة ويصرخون “الله أكبر” “الله أكبر” وكأنّ الموت صديقٌ لا يخشونَ غدره، رامينَ الحجارة وكأنّهم تخلوا عن الحياة، رامينَ الحجارة وكأنّ الجنة تناديهم (تعالوا إلي)، رموا الحجارة ليعانقهم الموت ويسقطونَ أرضاً ضاحكين لتُسقِط السّماء دموعها عليهم وتعانقهم الأرض وتبتلَّ بدمائهم، ليعمّ الهدوء ويخرسَ الرّصاص ويقفَ الكون دقيقة صمتٍ على أرواحهم ،لينتصر العدوّ في المعركة، ويُدفنُ الحقّ مع جثث الأبطال، وأبقى أنا هناك شاهداً على معركةٍ حقيقيّة.

إقرأ أيضا:حلقات البصل المقلية

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
يَزْدَاد حَنين خافِقِي، بقلم: آلاء خليل الدغيمات 
التالي
لا تنطفئي، بقلم: رولا مُحمد دملخي

اترك تعليقاً