الآداب

مقارنة بين المدارس الحديثة وخاصة: الديوان والجماعات الأدبية الأخرى في الشرق

بدأت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بشائر نهضة فنية في الشعر العربي الحديث، وبدأت أول أمرها خافتة ضئيلة، ثم أخذ عودها يقوى ويشتد حتى اكتملت خلال القرن العشرين متبلورة في اتجاهات شعرية حددت مذاهب الشعر العربي الحديث، ورصدت اتجاهاته. وكان لما أطلق عليه النقاد مدارس الشعر أثر كبير في بلورة تلك الاتجاهات التي أسهمت في بعث الشعر العربي من وهدته كما عملت على رفده بدماء جديدة، مستفيدة من التراث العالمي آخذةً ما يوافق القيم والتقاليد. وتعد مدرسة الإحياء والديوان وأبولو والمهجر والرابطة القلمية والعصبة الأندلسية وجماعة مجلة الشعر أشهر هذه المدارس، إذ إنها قدمت الجانب النظري وأتبعته بالجانب العملي التطبيقي؛ فكان نقادها يُنَظِّرُون وشعراؤها يكتبون محتذين تلك الرؤى النقدية.
كلمة موجزة عن كل مدرسة من هذه المدارس:
1)مدرسة الإحياء: يمثِّل هذه المدرسة من جيل الرواد محمود سامي البارودي، ثم أحمد شوقي، ومن عاصره أو تلاه مثل: حافظ إبراهيم وأحمد محرم وعزيز أباظة ومحمود غنيم وعلي الجندي وغيرهم.
وهذه المدرسة حاكت القدماء بأسلوبهم وطريقتهم والمواضيع خاصتهم والتزامهم عامود الشعر، يتمثّل تجديدها للشعر العربي في أنها احتذت الشِّعر العباسي، إذ تسري في قصائد شعرائه أصداء أبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضيّ. فتجديدها إذن نابع من محاكاة أرفع نماذج الشعر وأرقى رموزه في عصور الازدهار الفني، وبخاصة العصر العباسي
2) جماعة الديوان: أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الكتاب النقدي الذي أصدره عباس محمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازني (1921م) وشاركهما في تأسيس هذه الجماعة عبد الرحمن شكري( عباس محمود العقاد، إبراهيم المازني ،شكري).
تُعد هذه الجماعة طليعة الجيل الجديد الذي جاء بعد جيل شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران. وكانت الجماعة التي تزعمتها قد تزودت بالمعارف والثقافة الغربية، وقد حرصت هذه الجماعة على أشياء ودعت إليها.
3) جماعة أبولو: اسم لحركة شعرية انبثقت من الصراع الدائر بين أنصار المدرسة التقليدية وحركة الديوان والنزعة الرومانسية، لتتبلور عام 1932م بريادة الشاعر أحمد زكي أبي شادي، انظر : أبو شادي، أحمد زكي، في حركة قائمة بذاتها متخذة من أبولو إله الفنون والعلوم والإلهام في الأساطير اليونانية اسمًا لها.

إقرأ أيضا:كُنت، بقلم:سدرة الشاطر،” نص نثري”

الفروقات والأحداث بين المدارس:
نعلم أن جماعة الديوان تقع بين جماعتين أدبيتين هما جماعة عمود الشعر وجماعة أبولو. وأما جماعة عمود الشعر فهي أساس آراء الديوان لأن كل ما أتي به الديوان كان بمثابة ردة فعل أدبية علي جماعة عمود الشعر وآثارها وعقائدها.وهذه مدرسة تتمثلها سامي البارودي، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والمنفلوطي، و… وكل هؤلاء الأدباء كانوا عرضة لنقد أمثال المازني، والعقاد نقداً في الشكل والمضمون. وأما جماعةأبولو فقد ظهرت بعد مدرسةالديوان بمدة قصيرة داعيةإلي ما دعت إليه جماعة الديوان من النقد، والأدب، والآراء النقدية. فالآراء النقدية عند هذه الجماعة قريبة من شعراء مدرسة الديوان إلي حد يمكننا القول بأنهم بنوا أسس عقائدهم ومعاييرهم النقدية علي أساس ما دعي إليه أصحاب الديوان.
لقد خرجت جماعة الديوان في تطبيق نظرياتها الأدبية ولكنه لم يكن ً خروجا ً كاملا. بل إن أدباء الديوان حققوا في بعض المجالات ً قسما ليس بقليل من آرائهم لايتسني التنصل بها. فهم قد غيروا بتلك العقائد والنظريات وبمحاولاتهم التطبيقية في آثارهم مسيرة الأدب والشعر، لكن كل هذه الجهود التي فعلاً لا تنكر ومع أهميتها إلا أنها لم يتسنى لها البقاء وكان قد أخذ عليها الكثير من السيئات وهذا واضحًا بأسلوب الهجاء المتبع لديهم كرهًا لبعض شعراء الإحياء.
تلخيصًا لبعض الفروق بين المدرستين تميل مدرسة الديوان إلى اللغة السهلة الواضحة والقريبة من لغة الحياة ، ويظهر ذلك بوضوح في ديوان (عابر سبيل) للعقاد ، بينما تحافظ مدرسة الإحياء على اللفظ الأصيل الفخم ، والعبارات الجزلة الرنانة لتأثرها بالقديم .
ويلي ذلك مجيء أبولو ، لقد رغب شعراء مدرسة أبولو في الآداب الغربية كما رغبوا في الأدب العربي العريق داعين إلي رفض الفردية والتقليدية، ويرون أن الأصالة، والفطرة الشعرية السليمة، والعاطفة الصادقة، والوحدة التعبيرية، والاستخدام الصحيح للفكرة، والوحدة العضوية من لوازم الشعر لايمكن الاستغناء عنه أبدا
والفرق الأساسي الذي كان يميز شعراء أبولو من بقية الجماعات الأدبية هو أن عددا من أدباء، وشعراء من ذوي الأفكار المتباينة قد اجتمعوا في مكان واحد، حيث كان يترأسها في البداية أحمد شوقي الشاعر الكلاسيكي المشهور، وبعد وفاته بمدة قصيرة اختير خليل مطران رائد الشعر الرومانسي رئيسا لها. فجماعة أبولو قبل أن يكون جماعة أدبية، ملتقي أدبي لذوي الاتجاهات الأدبية والفكرية المتباينة، ومدرسة تعاون وإصلاح وإنصاف وتجدد
وأما أساس ما دعت إليه جماعة أبولو فهو ما دعا إليه أعضاء مدرسة الديوان
فالآراء النقدية عند هذه الجماعة قريبة من شعراء مدرسة الديوان إلي حد يمكننا القول بأنهم بنوا أسس عقائدهم ومعاييرهم النقدية علي أساس ما دعي إليه أصحاب الديوان.
نري أن التوجه الوجداني هو الغالب عند جماعة أبولو، كما هو الحال عند جماعة الديوان، فانطلقوا من قضاياهم الذاتية وتقديسهم للمشاكل الخاصة حتي حصروا في دائرة (أنا) وصاروا عاجزين عن درك حقائق المجتمع.
والجدير بالذكر أن جماعة الديوان وضعت حجر أساس الشعر الوجداني والذاتي، شعراؤها ومن جاء بعدهم تحدثوا عن الرومانسية وتطور هذا النوع من الشعر ً تدريجيا حتى أغرقوا فيها وورد شعرهم الرمزية، وقاد ذلك بصورة غير مباشرة إلي ظهور طبقة من النقاد ثاروا علي الرومانسية والرمزية ودعوا إلي الواقعية وإلي أن يكون الشعر معبراً عن حقائق المجتمع ومشاكله من دون الانغماس في الذاتية.
الخلاصة:
نلخص الكلام في أن جماعة أبولو ظهرت بعد جماعة الديوان متأثرة بها ومنادية بما نادت به جماعة الديوان، فدعت جماعة أبولو إلي نفس الآراء وقو شعراؤها أكثر هذه العقائد والنظريات ً عمليا في أشعارهم وبشكل أوسع. ولكن الفرق هو أن أعضاء جماعة أبولو لم يكونوا متشددين في استخدام اللغة العصرية، وكانوا يميلون إلي اللغة العربية القديمة والسليمة من دون العامية والأخطاء اللغوية ، على العكس تماماً ما دعى إليه الإحيائيون وهذا يعني أن مدرسة الاحياء مختلفة تماما عن الديوان وأبولو.

إقرأ أيضا:كان مثلٌ لهم بقلم:” رواسي إعشيبه”

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
ما هو الحب
التالي
الوتاب

اترك تعليقاً