منوعات أدبية

العقاب”قصة قصيرة”.بقلم:نتالي دليلة” 2020

-١-
مثَلهُ مثَلُ أيّ مُراهقٍ في الثّامنة عشرة من العمر ، كان يحبّ المغامرة و المخاطرة و كسر القيود بشكلٍ لا يمكن غضّ النّظر عنه
إلّا أنّه كان متعجرفاً متجبّرَ الخُلُق ، لطالما تطاولَ على مَن هُم أقلّ منه -بنظرهِ- منزلةً مُستصغراً مشاعرهم الوجوديّة ، متباهياً بأموال والديه ..
-٢-
في الثالث من أيّار من العام الماضي ، كانَ يقود سيّارتهُ الثّمينة متفاخراً بها في جميع أرجاء المدينة
أخذ يرمي السّجائر نصف المنطفئة من الشّباك بالإضافة إلى قارورةَ المياه التي أصابت امرأة مسنّة في قدمها و أوجعتها
فصرخ قائلاً ( تستحقين ذلك لأنّك عجوز محزنة ) ، ناهيك عن الخوف الذي زرعهُ في حيٍّ متواضع بسيط
-٣-
كان يمشي بسرعة مخيفة ، متجاوزاً جميع لافتات السّير ، ضارباً بعرض الحائط كلّ قوانين العبور ، مفتعلاً أزمة مرور حقيقيّة
أمسكَ هاتفهُ الثّمين جدّاً ، و راح يقلّبهُ بين يديه و يأخذ لنفسهِ صوراً كثيرة و يشاركها على السوشل ميديا ، و لم تخلو هذه الصّور بالطبع من ساعة الرّوليكس الحديثة خاصّتهُ ، ففي عالمهِ ، كانت المظاهر كلّ شيء
-٤-
قاطع أمسيتهُ الأنانيّة مع ذاته ضجيجٌ مريب ، رأى الشرطة مجتمعة في بقعه محدّدة تبعد عنهُ مائةً و عشرين متراً ، قفلَ سيّارتهُ و ذهبَ سيراً ليستكشف ما حدث
مائةٌ و عشرون متراً كانت طويلة على شابٍّ كهذا ، فأخذ يغنّي بصوتٍ عالٍ و يلتقط صوراً عشوائيّة للنّاس من حولهِ دون أيّ احترام للمكان أو للمصيبة الواقعه على بعد أمتار باتت تبدو قليلة
-٥-
وصل إلى مكان الحادث و هو يغنّي ، زجاجةُ النّبيذ تتراقص بين يديه ، و صوت ضحكاته باتَ مزعجاً للأذن ، راح يلتقط لنفسهِ صوراً مع الجثّة التّي بدورها لم تكن واضحة الملامح حيثُ أنّ جسم الإنسان يبدأ بالاضمحلال فور توقف قلبه عن العمل ، وتنخفض حرارة الجسد مباشرة بعد الوفاة درجتين أو درجة كل ساعة ..
-٦-
رفعَ صوتَ الأغاني ، فانتبهت الشّرطة لوجوده و حاصروه ، خبّأ زجاجة النّبيذ داخل ثيابه و اعتذر منهم و تراجع خائفاً
اختبأ خلفَ شجرةِ بلّوط يبدو أنّها كانت هناك منذ الأزل ، أعاد الزّجاجة و التقط صورةً لنفسهِ مع الشّجرة مُعَنوناً إيّاها باستهزاء ( يا لها من جثّةٍ مسكينة ، لا يمكنها أن تشرب معي )
-٧-
أمسكَ هاتفهُ و اتّصل بأخيه ليطلب منهُ المجيء بشرط وحيد ، و هو أن يجلب معه ثلاث زجاجات من النّبيذ احتفالاً بليلة برّيّة صاخبة و طائشة كهذي ..
إلّا أنّه لم يُجِب ..
أعادَ الاتصال فسمعَ رنّة هاتف أخيه المألوفة تأتي من مكانٍ قريبٍ جداً من شجرة البلّوط ، تَتبَّع صوت الرنّة حتى وصلَ لمكان الجثّة تماماً و هنا توقّف الزّمن ..
-٨-
إنّ الحقيقة المجرّدة هي الإيديولوجيّة الفكريّة المعادية لميثيولوجيا الفكرة الوجوديّة
لكلّ شيء في الحياة قانون، والكارما قانون العالَم الروحيّ ، التّي بدورها تشير إلى مبدأ السببيّة من حيث النوايا والأفعال الفرديّة التّي تؤثر على مستقبل الفرد
، فكل عملٍ سيعود إلى صاحبه عاجلاً كان أم آجلاً، كَون الأسباب تولّد نتائج من جنس العمل ..

إقرأ أيضا:الكاتبة المُبدعة:” هبة أحمد ابراهيم” تبدع في فنون الرسائل

❥??????? ??????

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
Elementor #18201
التالي
نص بعنوان: هَلْوَسَاتُ كَاتِبَةٍ، بقلم المبدعة نور السريحين

اترك تعليقاً