خاطرة

حينَ يتمرّدُ الحلم، بقلم: صبا شعبان (نص نثري)

غاصتْ أناملها في ناصيتها للحظةٍ فتذكّرتْ شعرَها السّجينَ في تلك العقدة العنيدة، حّررته وفي نفسها شيءٌ من تمرّد الأنثى الشقيّة…
فردَتْ خصلات شعرها الأبيض بلهفةٍ ليذكّرها بأنّه ليس كسابق عهده ، تابعت تحسّس ملامحها غير مكترثةٍ لما فيها من ترهّلٍ.
أمسكت قلمَ أحمر الشّفاه و هنا كانت المفارقة، بدأت ترى في المرآة فتاة ينمو ثغرها حدّ الامتلاء ويتفتّح جلد وجهها كما لو أنّه سُقي بماء مقدّسٍ، ويتستّرُ شعرها العاري بلونٍ أسودٍ قاتم.
تعجّبت لما رأته فابتسمت لتُظهر ما ابتلعه الدّهر من ضواحك وإذا بها تجدها منتصبةً بلونها الأبيض النّاصع وكأنها لم تبارح مكانها قطّ.
-هذه أنت؟
-أجل هذه أنا، أقصدُ أنت منذ ما لايقلُّ عن أربعين عاماً.
-يا لك من خائنة ،كيف طاوعك قلبك على تلك المعصية؟ كيف تتركين ملامحي وتتنصّلين منّي لأجد نفسي في نهاية المطاف مُهترئة ذابلة؟
-عجبٌ أمرك يا هذه! أنسيت كم من مرّة قلت لك تعالي لنرقص ونسعد..ماذا كان ردُّك؟ أنا سأذكرك، قلتِ لي “لقد كبرتُ على تلك الأشياء وما أشدّ نهم النّاس وأفواههم لاجترار أحاديث الاستهزاء والتنمّر”
وعندما رفعتُ صوت المذياع وقلتُ لك هيّا غنّي وافرحي ماذا كان ردُّك أيضاً”ما أقبح صوتي وما أتعس قدري إن جاء أحدهم وسمعني صدفة”
ولمّا أغرقنا ذاك الشابّ الوسيم بأجمل الكلمات وما كان خطأه إلّا أنّه رفع المفعول به بدلاً من نصبه، رمقته نظرة استخفافٍ وترفّعتِ غروراً.
أليس الحبّ هو الغاية، ويحق للحبيب ما لا يحقُّ لغيره؟ فالحبُّ يرفع وينصب ويكسر ما يشاء وما أشدّها كسرات الحبّ ، أليس كذلك؟
(صمتٌ يسود،وتعود فتاة المرآة للحديث)
-لقد سجنتِ نفسك وأذقتها حياة الرّق والعبوديّة، جعلتها كما يشاؤون لا كما تشائين،ألبستها ثوباً فضفاضاً ومحوتِ معالم الأنوثة وتركت روحك وحيدةً تستجدي يداً دافئة تحنو عليها، اقتلعتِ زهور الرّبيع و وضعت بدلاً منها أشواكاً وصبّار، ومن قال الشّباب شباب الجسد وإنّما هو شباب الرّوح…
فما ترينه الآن من اهتراء ماهو إلّا انعكاس لروحك وأفكارك وشعورك.
-كفاك لوماً وعودي، سأحرّرك صدّقيني وإن لم أفعل بإمكانك الفرار ثانية والنّأي بنفسك بعيداً.
-ما أسهل الكلام وما أصعب تنفيذه! وكيف يمكنني العودة وجسدك لم يعد يسعني،كيف سأحتمل انحناءة ظهرك هذه ليلاً نهاراً، وماذا سأفعل بعينين لم تعد ترى الأفق كما أراه وعظام هشّة لاتقوى على الرّقص.
(تحمل العجوز عصاها وتكسر المرآة وتنهي احتدام الموقف)
استيقظتْ بهلعٍ من غفوتها ونفضت يداها وإذا بعكّازتها المستندة عل السّرير تقع أرضاً، استوت على السّرير شاحبة الملامح لاهثة لترى الزّجاج المتطاير هنا وهناك ،جمدتْ لدقائق عدّة في محاولة منها لتفسير مايحدث، قامت من فراشها ودنتْ من عكّازتها فالتقطتها.
نظرتْ في أرجاء الغرفة لتدرك بعد تمعّن أنّ سبب هذه الحادثة هو انزلاق صورةٍ لها وهي شابّة بعدما وضعتها بطريقة عشوائيّة بعد تأمّلها قبل النّوم، فأزاحت معها المرآة المسنودة أمامها فتشظّت وآل الأمر لهذه المصادفة.
نزلت والتقطت صورتها واستقامت بلا معونة من العكّازة واتّجهت إلى نافذة الغرفة ثمّ ألقت عكّازتها و ربطة الشّعر خارجاً وتركت النّافذة مفتوحة مانحة بذلك فرصة للهواء ليداعب السّتارة بعد سنين من الحرمان واستدارت لتعود وإذ بها بعد عدّة خطواتٍ تلمح خيال تلك الفتاة مازال يرقبها من تلك المرآة التي تصلّحت وتجمّعت فجأة!
تصلّبت في مكانها مُحاصرةً بحلمٍ و واقعٍ ومرآة…
تستجدي عكّازتها التي نفتْها لتوّها…

إقرأ أيضا:كل منا في فلك

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
فوائد خل التفاح
التالي
تخاريف ليلية، بقلم: كوثر بن فطيمة. ” خاطرة”

اترك تعليقاً