مقالات ونصوص متنوعة

الموضوع عن في كل حروبي

في كلّ حُروبي كُنت جُنديًّا قويًّا قادرًا على قهر أعدائه متلذذًا بتقهقرهم ، لكنّ حُروبنا قد اختلفت ، اختلفت حيثُ أن حُماة ظهري في حربي الأولَىٰ أعدائي اليوْم ،
مَن اسْتطْعَم خُبز أمّي و قبّل يديها شاكرًا لهَا و طالِبًا مِنها أن تدعُو لهُ أصبح اليوم في أبغض دُعائها ، حتّى أنْ سمِعْت أُمّي تدعوا فِي سُجودها باكِيةً ” يا رب انصر إبني على أعدائه!”
أيّ أعداءٍ يا أُمّي فإنّي أكاد أجزم أنّه سيأتِي ذلك اليوم الذي تقعِين فيه مُنهكةً بين أن تدعو بالنّصرِ لي أو لشقيقي محمد ،
كم يؤلمني يا أُمي صوت التهليل و التكبير عند قتلنا أو تفجيرنا لِسياراتِ عدُوِّنا الودود ، كيف لا يكون ودُودًا و تسري في دِمائي و دمائه ليبيا ، كم يمزق قَـلبي أنّنا مضطرون لِدحرنا مِن مدينة لأخرىٰ بغاية التحرير ،
فهل يجوز تحرير الجسد مِن أعضاءه ؟
لم يَكُن هيّنًا عليّ تركـ أميرتي “ندى”،
ندى الجميلة التي شهد على حُبي لها شوارع و أزقّة طرابلس العتيقة ، “لكِنّها الحرب يا أمي” ،
لمْ يكُن سهْلًا عليّ تركِ فلذات كبدي نادر و أيمن و الُمدللة فداء ، التي أسميتها “فداء الثورة” فرحًا و تيَمُّنًا بالثورة التي خِلنا أنّ بإختفاء تِلك الحقبة ستنتهي الأحزان لكّنها لم تَكُن سوى البداية ، بداية طمع و جشع السَّاسة المستوردون و تنفيذهم لِمخططات غايتها إفساد أوطاننا بدمائنا ، لَمْ يكن هيّنًا يا أُمي تركُـ وجهك الجميل الّذي أخذت مِنه ويلات السنين و العناء حصّتها ، عناء أرملة عشرينية أفقدتها حرب تشاد زوجها و شبابها و راحتها معا؛ لِتصبحي قوّة ضاربة بيدٍ من حديد لكل مَن يطال أولادها ، أولادها الأربع الأيتام الّتي خلقتي مِن ضعفهم أُسودًا تزأر ،”لكِنّها الحرب يا أُمِّي ” ،
حربٌ لعينة أحرقت ربيع شبابنا و جفّفت ينابيع أحلامنا و استأصلت الرحمة مِن قلوبنا لِتخلق مِنّا شعبًا غاصَ في دمائه حتى الغرق .
وُجدت هذه الرّسالة في محفظة جُندي استشهد برصاصات عَدُوُّهِ الودود .
غادة عمر شعشوع

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم أحمد محمود الكيلاني

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
الموضوع عن فتاة بسجن من الظلم
التالي
مقال بعنوان: متاعب الحياة، بقلم: تمارا نضال

اترك تعليقاً