ما أثقل حمل الوصايا..
_استعرتُ منديلاً من قميصِ أُمّي
كان منضوداً بأناقة، كأناقتِها
لكنّه كان معمّداً بدموعها،
مطوياً على أحزانها
التي لم يسبق أن لاحظها أحد..
عينا أمّي خضراوتان وسيعتان
فيهما كهفين غائرين
_خلف مروج الحدقتين الخضراوتين_
تعتصرُ بهما آلامَ النهارِ
و تخبِّئُ حيّزاً صغيراً
لتبكيهِ معنا علينا..
_أمّا عن أخي،
و في الأثناء التي رتّبتُ بها فراشهُ
هززتُ وسادتهُ فاندثرت أحلامهُ
التي لطالما كانت السّبب في أن ينعم في نومهِ،
ثقيلةٌ كانت و معبّقة
بأحلامٍ ورديةٍ مخبّأةٍ منذُ الطفولة،
لم يلحظ أحدٌ سواي
بأنّها الوسادة ذاتها التي أصرَّ
على اصطحابها إلى منزلنا الجديد
دون أن يعلم أحدٌ ما السّبب في ذلك..
_و حينَ فتّشتُ في آلة أبي الموسيقيّة عن أثرٍ لخيبتهِ
شددتُ وتراً كادَ أن يفلت،
و من ثمَّ نقرتهُ بخفّةٍ بطرفِ أصبعي
فتأوَّه بصرخةٍ مريرةٍ مزَّقت سكون البيت،
ذاك هو وتر أبي الحسّاس
الذي كان يخشى على أحدٍ المساسَ به…
_و أمّا أنا..
ف اقتلعتُ عينيَّ اللتين
خبّأتُ خلفهما الوصيّة
التي كتبها جدّي قبل الرّحيل..
كلّفني جدّي بتوثيقِ كُل مايحصل،
فوجدتُ نفسي راحلةً معهُ رحيلاً أشبه بالموت..!
حرقتُ الرّسالةَ، و فقأتُ عينيّ،
و مضيتُ فاقدةً للبصرِ طيلةَ أيّامي..!
جدّي الذي ورّثني النّظرة الثّاقبة و بُعد النّظر، أفقدَني النّظر.
كل ما وثّقتهُ في الأعلى كانت بصيرتي المُتّقدة تتحسّسهُ بشفافيتها المُتعِبة، و أحاسيسي تتلمّسه برهافتها المُضنيّة..!!
كيف لو أنّي كنتُ أنعمُ بنور البصرِ و أتنعّم بأنوار البصيرةِ معاً ..؟!
Comments
0 comments