خاطرة

مرض وراثي، بقلم : لمى محمد أبو حمدون

حينَ غادرْتُ رَحمَ أُمِّي لِأَسكُنَ حِضْنَها، صَدَحَ صَوتِي بِالبُكاء، ومَع توالِي السنين، ظَهَرَتْ علَيَّ أعراضُ مَرَضٍ عُضَال، تَحَجُّرٌ في مَدْمَعِ العين، وَجفافٌ في قناتِي الدَمعِيَّة، مضاعفاتُه فتَّاكة: حُرْقةُ المُقلتين، وتبلُّدُ الفؤاد، بُركانُ غضبٍ سريعُ الثوران، مَشاعرُ مُتَّقِدَةٌ وعينانِ عقيمتانِ لا تنجبانِ الدُموع. لم يداووا عِلَّتي، بل احتَفَوا بي، وتبيَّنَ لي أنه مَرضٌ وِراثيٌّ تفشَّى في مجتمعاتِنا العربية، يُدعَى “عدمُ البُكاء”، ينقلُهُ جينُ العيبِ أو كروموسومُ الرجولة، يصيبُ الذكورَ فقط، ويُقاسُ بَأْسُهُم بِشدتِه، وبالمقابِل تُصابُ الأُنثى بِمُتلازِمةِ الإفراطِ بِالعَويل، أَظُنُّها تبكي عِوضاً عن أبيها المُضنًى، وأخيها المُكدَّرِ وزوجِها التعيس. وَخُطُورَتُهُ هِيَ جَهلُنا لِخُطورَتِه، فَأسلافُنا اللَذِينَ وَرَّثُونا إيَّاه، لَمْ يَعُوا أَنَّ ذَلِكَ السائِلَ المَالِحَ يُعَقِّمُ جُروحَ الرُوحِ، ويُطهِّرُها مِنْ شَوائبِ الكِتمان، أَمَّا أنا فأَعِي هذا، وَقَدْ عَزَمْتُ على حِمايَةِ ذُرِيتِي من هذا الوباء. إلَّا أَنَّني عِندَما بكى طِفلي ذي التِسعِ سنوات، زَجَرْتُهُ صارِخاً: كَفْكَفْ دُموعَكَ يافتى، الرجال لا يَبكُون!
سُحقاً أَوَلَمْ أُقَرِرْ الانقِلابَ على هَذِهِ التُراهات، لَكَم هي مَتينَةٌ أَغلالُ العادات!

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
بيّهقٌ في مضمار، بقلم: عمر المصري “نصوص نثرية”
التالي
نبذه عن كتاب العقيدة الطحاوية

اترك تعليقاً