مقالات ونصوص متنوعة

نص نثري بعنوان القُنْفُذ الجَّريحُ بقلم إيمان محمود الرحال

لطَلَما شعرتُ بضيقٍ في ذاكَ المكانِ وأنّهُ ليسَ لي، بدَا لي وكأنّهُ هالةٌ صغيرة، لا أدري كيف أخرجُ منها! وكأنّهُ بمثابة حفرةٍ صغيرةٍ علِقَ بها قُنْفُذٌ صغير بعد صراعٍ طويلٍ، دامٍ مع أشواكهِ، فباتَ مهزوماً لا يعرفُ بدايةَ ونهايةَ الطريقِ، لطالما بحثتُ جاهدةً عن إشارةٍ أو لوحةٍ تحذيريةٍ علّي أجدُ طريقَ عودتي، لكنني وجدت نفسي عالقةً في وسطِ تلكَ الهالة الضيقة، لا قدرة لي على العودة إلى الخلفِ أو التقدمَ إلى الأمام. أدركتُ حينها أنّني ذلكَ القنفذ الذي تكسّرَتْ أشواكهُ، فما عادَ قادراً على مواجهةِ حياته في الخارجِ ولا البقاءِ طويلاً في تلكَ الحفرة. أدركتُ أنّني بَتَرْتُ الجُزءَ الأكبرَ من نفسي، وأنّ ثمانية وعشرين حرفٌ من لُغتي لم تكُن قادرةً على إِنْصَافي، بروحٍ مرتجفةٍ أجولُ ظلامَ الطّريق، في حقيبتي كومٌ من الذكريات، بائسةٌ هي محاولاتي، مذبلةٌ جفوني وشاحبةٌ هي وجنتاي، لا أعلمُ ما هي وجهتي، تائهةٌ هي عقاربُ ساعتي، مبتلةٌ عيناي، أُسابِقُ خطواتي وتسبقني ضرباتُ قلبي، لا أدري ما هي وجهتي! ورغمَ ذلكَ أتابعُ مسيري، فبدا لي أنني مزّقْتُ تلكَ الروحُ الطفوليةُ الدّافئةُ والتي كانت بمثابةِ ذاكَ الدرعُ الذي أُهَدْهِدُ به نفسي. أنا الآنَ عالقة بينَ بدايةٍ لا نهاية لها، ونهايةٍ لا نهاية لها، عالقة داخلَ كومةٍ من أحاسيسٍ ومشاعر مهزومة، عالقة في أحضانِ كومةٍ من مرارةِ لحظاتِ، حاولتُ تجاوزها بخطواتٍ بطيئة مثقلةٍ. لم تعدْ لي القدرةُ على تحمّلِها، وجدتُ نفسي داخل الحفرة المظلمةِ عاجزة عن إضاءتها أو حتى أن أخطوَ خطوةً واحدةً داخلها، وجدتُ نفسي ذاكَ القنفذُ البائس الذي لا حيلةَ لهُ إلا البقاءَ طويلاً في تلك الحفرة على أملٍ أن تنمو أشواكهُ من جديد، أنا الآن كلوحةٍ معلّقةٍ على رفٍ مهجور، حَبِيْسة بين ماضٍ قدْ مضى وحاضرٍ لم يمضِ ومستقبلٍ مبتورَ القدمينِ، عاجزة حتّى عن محاولةِ الحبوِ كطفلٍ رضيعٍ، مرهقةٌ لا حيلة لي على قطعِ بضعةِ سنتمتراتٍ قليلةٍ علّي أجد بدايةَ الطريق، إنّني الآن ها هنا في المنتصف لا بداية لي ولا نهاية، وما إنْ غفوتُ أدركتُ أنّ ذاكَ القنفذ الحزين باتَ عالقاً في حفرةٍ لعينةٍ، ولربما مِثْلي ظلّ الطريق!

إقرأ أيضا:قصة سفينة نوح عليه السلام

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم آلاء فارس أبو علي
التالي
نص نثري بعنوان فراق فقيدي بقلم هند مصطفى أبوعامر

اترك تعليقاً