Funny

نص نثر بقلم دعاء دراغمة

“قطرات قزحية”
تشابكت أضلع الأمطار حين هطل قَطْرِهَا، وانسدلت تجاعيد شفاهِها مُتسائلة بتلك النبرة الداهشة: أين قوس قُزحي؟
مالِي لا أراه بين أضلعي ساكنًا؟
لماذا غادرني، ولمَ فرَّ مني هاربًا؟
كنت أحبلُ به، وحين تهطلُ قُطيراتي كمخاضٍ، كنت أشرق زهور السعادة به، كانت أطيافه أشدُّ بهجة، فيفرُّ الحزن من تلك الأطياف مغشيا عليه.
أين فرَّ راحلاً؟

أنا هنا يا أمي ضعيف، هزيل وانسدل الوهن على جسدي، كادت أعظمي تتلاشى، وأطيافها تندثر، فألوان أطيافي لا أعلم أين هي؟
لقد كان جسدي زاهيا بألوانه، ذاك الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي والبنفسجي، كنت أمشي متفاخرا بين إخوتي بأطيافي السبع، أما الآن، فأنا..، فأنا متلاشي.
ما هي إلا ذرات ثوانٍ يُلاشيني الغبار فلا أرى شيئا. كأنه هو والحُلْكة سواء.

اسمعي يا أمي، اسمعي يا أم الأمطار، هذه أصوات ألواني السبع قبل أن تتلاشى في ردائها مقضيٌّ عليها، هذه همساتها بالكاد أستطرقُ سماعها.

لم أعد ذاك الأحمر الدافئ، أصبحت نيران تندلع بين القلوب، ودماءً تفرز بغزارة، يقتات الجميع منها ولا يشبعون.

لم أعد البرتقالي، ذلك الشاب المرح، بل أصبحت كهلا، تُدفَّق مني التجاعيد، ويسقط من رأسي الشيب.

لم أعد الأصفر، الذي كان سببا في السعادة يوما، فكل القلوب ينسكب بداخلها توهج الغيرة، وتهطل من أدمعها الأحزان ركضا.

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم سلام كيوان

لم أعد الأخضر، الذي كان يوما الطبيعة فالقاذورات احتلت موضعي، لطَّخت جبيني وقتلت اخضراري.

لم أعد الأزرق، ذاك المستقر في سبات الأمان، لقد اندلع التذبذب، فأرهق أمواجي، وأصوات تبول السُّفن قتلت شراعي، الذي كنت أُصفق به بين أمواجي، فيرقصون ببهجة في استقرار.

لم أعد النيلي، لا أعرف من أنا؟ ومن أنتم؟ فقد تمزق انتمائي إليكم، وأصبحت أقتات الانزعاج، فهو غذائي، وليت ما في جوف بطني منه يشبعون.

لم أعد ذاك البنفسجي، الروحاني ذو القلب الصدوق، فكل ما كان بين روحي وأرواحكم تمزق، ينزف للخيال خيطا واهنا، وبقلوبهم وعقولهم الخاوية، شياطين يحضرون، فيغتصبون روحانيات قلبي.

أين نحن أيتها الجدَّة؟ افعلٍي شيئا من أجلنا..
اهطلي تلك القطرات بقوة، نريد أن نحيا مثلهم، ليتهم عن ألواننا يرحلون؟

يا أمي، لقد عمَّ الغبار على جسدي، سحب بريق ألواني وتركهم بحسرة أغبِرة السواد مُنعَّمون.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم غدير سعد علي
التالي
مناجاة أسير

اترك تعليقاً