مقالات ونصوص متنوعة

يجلسُ شارداً في مستقبلهِ
غارقاً في ماضيهِ
تائهاً في متاهةِ حاضرهِ
تبرقُ فِي ذهنهِ ذكرياتُ الماضِي
يتذكَّر تلكَ الكَدمة الرُّوحيًّة الَّتي صادفتهُ دونَ سابقِ إنذارٍ
كالرَّصاصةِ الَّتي تخترقُ جسمكَ لتُنهي حياتكَ في ثوانٍ
تلكَ الكدمةُ الَّتي تركَت وراءَها قطراتِ دماءٍ وهميَّةٍ لا تُحصى
دمَاء شوَّهت حاضرهُ ولطَّخت مستقبلهُ
هاهوَ لايزالُ شارداً
كأنَّهُ جثَّةٌ مفتوحةُ العَينينِ
ينفضُ رأسهُ محاولاً إخراجَ تلكَ الذِّكرى المُميتة مِن ذهنهِ
لَن أذكرَ التَّفاصيل
فَأنا نفسِي لا أعلمُ ما هيَ
لا أعلمُ سوى أنَّها ندبةٌ عالقةٌ فِي روحهِ
رصَاصةٌ دخلَت قلبهُ واستقرَّت فِيه
صداعٌ لعينٌ أخذَ مِن رأسهِ بيتاً لهُ
نارٌ في أحشائهِ
هَذا مَا فهمتهُ مِن تمتمتِه وشكوَاه الخَافِتة
يتكلَّمُ ببرودٍ وكأنَّ كتلةَ ثلجٍ عالقةٌ فِي منتصفِ حلقهِ
كتلةُ ثلجٍ حارِقة
لا أجيدُ وصفَها لكنَّها تَبدو لِي أليمةً فعلاً
عادَ لشرودهِ
هَا أنا أراقبهُ
يحكُّ رأسهُ
يهزُّ قدمهُ
يطقطقُ أصابعهُ حتَّى يكادُ يَكسرها
يَبدو لِي متوتِّراً أوخائفاً
يبتسمُ
ثمَّ يشهقُ وتمتلئُ عيونهُ بالدُّموع
يعضٌ شفتيهِ
توقَّف
توقَّف
ألا تَرى دماءَ شَفتيك !
ألِم تَشعر بألَم؟
نظرَ إليَّ نظرةَ استخفافٍ غَير مفهومةٍ معَ ابتسامةٍ ثقيلةٍ كاذبةٍ تخبِّئُ خلفَها أكواماً منَ القهرِ
لَم يُجبنِي
أدارَ وجههُ الشَّاحبَ عنِّي وعادَ لشرودهِ مِن جَديد
فِي الحقيقةِ
لقَد اعتدتُ حالتهُ هذهِ فِي كلِّ يومٍ
يجلسُ فِي غرفتهِ وحيداً
فأتطفَّل عَلى طقوسهِ الغريبةٍ
وأجلسُ بعيداً عنهُ بضعَ أمتَار
أنَا حقَّاً أخافّ الاقترابَ
أراقبهُ بهدوءٍ
لا ألومهُ
هَذا ما يفعلُ الحزنُ بالمرءِ
ينهشهُ ببطءٍ
يأكلُ داخلهُ
يتقيَّأ فِي أمعائهِ، يقفُ حافياً بأقدامهِ المسنَّنة حانِي الظَّهر فِي وريدهِ
يقتربُ مِن قلبهِ حتَّى يستقرَّ فيهِ
يجعلهّ مثقَّباً
أسوداً
شاحباً
بارداً
منطفئاً
ليجعلَ المرءَ جثًّةً حيَّةً
مازلتُ أراقبهُ
قَد ساءَ وضعهُ
أمسكَ سكِّيناً
سالَت دمائهُ
وقعَ عَلى الأرضِ
ماتَ منتحراً
لَم أكُن أريدُ إخباركُم ولكنَّني أكتبَ عنِّي
عَن طَيفي الَّذي بقيَ فِي غرفتِي مكانَ موتِي أًكتُبنِي بعدَ موتِي
لا تهتمُّوا
فقطْ أبقُوا للرحمةٍ مكاناً داخلكُم .
__
| زينب غياث عيسى |

إقرأ أيضا:

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم لينا عماد هلاله
التالي
تعب السنين بات خذلاناً بقلم:” آيه حازم العاني”

اترك تعليقاً