خاطرة

ذاكَ الرغيف بقلم أمير جميل


“أنا ذاكَ الرغيف الذي اُنهِكت أقدامُ الفقراء ركضًا ورائي، بدايةً وددتُ أن اعتذر لهم جميعًا عن فِعلتي هذه..
بعد الاِعتذارِ اودُ أن اُخبِركم..في حقيقة الأمر قَبل أن أصِل الى ذاكَ المظهر الذي ترونهُ أمامكم؛ ” رغيفُ خُبزٍ فاتنٍ يتسكعُ البُخار مِن جنباته مما يُثير غريزة البطن أمامه”
قبلَ ان أصل الى أعلى درجاتِ الاِغراء والاِغواء هذه كانت لي عائلةٌ مِثلكم مَعشَر الفقراء..كانت تُسمى عائلةُ السنابل..وكُنا نحنُ السُنبلات نمتلك مِن الأحلام ما تُضاهي تِلك القِممُ الشاهقة، ونرمي باليأس الذي كان يود أن يسيطر علينا في قعور الوديان الساحقة..
فمثلًا، تشاركت في تكويني مجموعة مِن السنبلات اللواتي كُنَّ احلامهنَّ يصلنَّ الى ما بعد الغيوم..
في داخلي سُنبلةٌ شُجاعةٌ كانت تحلُم بأن تُصبح حَقل.. واُخرى تعاطفت مع نملةٌ مسكينةٌ لا مسكن لها، طريدةٌ مشردة، أرادت أن تضرب جذورها في الأرض صانعةً بيتًا لتلك النملة، وما تحمله من سُنبلاتٍ اُخر يَكُنَّ مصدر غذاءٍ لها.. والأُخريات كذلك.. لا يفارقهم الأمل..
وكما تعلمون معاشر الفقراء، يتمنى الاِنسان ما يُحب، ولا يحدُث ما يتمنى..
جاءت الحصادة وجزت رِقابنا جمعًا، ثُم فقدنا ما فقدنا مِن أخواتنا السُنبلات. وبعدما فقدنا وفُقدنا اُخذنا الى المطاحِن لتطحن اجسادنا الرقيقة واُمنياتنا واحلامنا.. جعلت مِنا ذاكَ الطحين، تناثرت اجزائنا تحت أغلفة الأكياس البلاستيكية، أصبحنا نتمنى اُمنياتٌ وآمالٌ اُخر..
أما أنا وأشلائي تمنينا أن نكون من مكونات رغيف تعجنهُ امٌ حنونةٌ تنسينا ألم تَمزُقنا وهي تعجننا بيدها الحانية، وأخرون تمنوا ان يكونوا لُقمًا هنيئة في بطون الفقراء..
للأسف لم نحصل ما تمنيناهُ مِن جديد، شُكِلنا أرغفة فاتنة بعد كُل الجراحاتُ التي عصفت بِنا..وصلنا بسياراتٍ ذوات الطُراز الحديثِ الى بيوتٍ مِن المسؤولين والأغنياء و و الخ الخ..
شقوني مِن المنتصف، بعضهم مضغ شيءٌ مِنا ورمى باقي جسدي، والبعض الأخر رماني كما أنا..
أنا ذاكَ الرغيف كنزُ الفقير، لم يقدروني أصحاب السمو العالِ .. لو كان القرارُ بيدي ولي أقدامٌ لما تركتُ بطن فقيرٍ الا وجعلتهُ بيتًا لي..

إقرأ أيضا:لعنة الهجر بقلم شيماء حاج قاسم

اعتذر مرةً اُخرى الى الذين ما بَرحوا ركضًا باحثين عنّي وحال بيني وبينهم ضنك الحياة..”

أمير جميل

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
كسر قلبي بقلم آيات محمد العمري
التالي
نص عن التعليم بقلم الكاتبتين دعاء العوايشة” أوراق مطويَّة ” مريم إياد

اترك تعليقاً