فن الكتابة والتعبير

الام وطن،بقلم:رنا المغربي

نا سميرة أم لثلاث فتيات”رُبى، رؤى، نهى”
طفلتي الصغيرة نهى أنجبتها في وقت متأخر من عمري فولدت مصابة “بمتلازمة داون” ،من بداية حياتها لا أستطيع شرح كمية معاناتي انا وهي، صغيرتي المدللة، أخر العنقود، ابنتي البريئة تلك التي لم يكن ذنبها سوى أنها ولدت في مجتمع ذو عقلية مريضة وليست هي المريضة، عندما ولدتها أصبح الجميع يساولني و نظرة التحسر في أعينهم و ينعتونها بالمعاقة أمامي، كانت تلك المواقف تعتصر قلبي الماً .
عندما بدأت تكبر كان الجميع يتعامل معها كأنها لا تنتمي للبشر، يراها الناس وباء معدٍ، يتنمر عليها أقربائنا بأن لسانها صخم و عيناها صغيرة، حاولت أن أسعدها بشتى الطرق الممكنة، لكن المجتمع لا يرحم بتاتاً، لا أدري لماذا يعاملونها بكل قسوة و كأنها هي من أختارت أن تولد مصابة و لم يكن هذا قدرها، حبيبتي الصغيرة كانت دائما تخبرني أن حلمها العيش كأخواتها بشكل طبيعي دون النظرة المزرية التي كان الناس ينظرونها إليها.
عندما وصلت لسن السابعة أدخلناها مركز خاص بالمتلازمة حتى تبدأ بالدراسة، هناك فقط يمكنني القول بأنها بدأت تعيش حياة طبيعية مع أشخاص ينتمون لعالمها الجميل، كلما عادت للبيت تحدثني عن مدى سعادتها و أن وجدت أطفال من سنها و يشبهونها كثيراً و يحبونها و يلعبون معها و انهم ليسوا كأطفال العائلة ينفرون منها، أحبت ابنتي الدراسة و بدأت تندمج مع أولئك الأطفال، ذهبت ذات يوماً لزيارتها في المركز فرأيت في عينيها السعادة التي سرقت منها منذ زمن وهي تلعب الغميضة مع الفتيات، قالت لي معلمتها أنها ذكية جداً و متفوقة في دراستها و غير مؤذية أبداً، و حدثتني أيضاً أنها ذات مرة تقاسمت وجبة إفطارها مع فتاة نسيت أن تحضر وجبتها معها، فرحتي حينها لم تكن تقدر بثمن.
إنها ملائكتي الصغيرة التي ربيتها بكل حرصٍ رأيتها نصب عيني و هي تكبر رويداً رويدا و علمتها كيف تحب الخير للغير، و كيف تكون قوية لا شيء قادر على تحطيمها، هي الأن بدأت تعمل بكل ما علمتها إياه و تجعلني فخورة بها أمام الجميع .
بعد سنوات عديدة ….
رُبى إبنتي تخرجت من كلية الإقتصاد، و رؤى من التقنية الطبية، أما صغيرتي المدللة يا إلهي إنها الأن بعمر الواحدة و العشرون و لا زلت أنعتها بصغيرتي من شدة حبي لها، هي الأن على أبواب التخرج من كلية الهندسة المعمارية التي لطالما كانت حلمها الذي يكبر معاها كلما كبرت والذي دعمتها بكل جهدي حتى تحققه .
.
أحبوا ابنائكم و علموهم معنى الثقة بالنفس و ماهو حب الخير للناس، أعطوهم كل الحب و الحنان الذي يستحقونه، فلا يوجد طفل يستحق أن يشعر بالنقص العاطفي من والديه، أما لأولئك الأباء الذين يمتلكون طفلا بمتلازمة داون هنيئاً لكم فإنهم ملائكة، امسكوا أيديهم بكل فخر و علموهم ما معنى العيش ولا تخجلوا منهم أمام الأخرين لا تسرقوا بهجتهم بعزلتهم عن البشر بحجة أنهم يتسببون بالإزعاج، لا تجعلون شيئا يكسرهم و يطفئ حب الحياة في أعينهم، أغمروهم بالطمأنينة، كونوا لهم العون في ظل مجتمع يمتلئ بالوحشية .
– رنا المغربي

إقرأ أيضا:حقائق عن ببغاء الدرة

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
رأيته صدفة،بقلم:عفاف نفافعة
التالي
قف على شرفة الليل،بقلم: حنّان محمد آل محيمد

اترك تعليقاً