خاطرة

نص نثري بعنوان : الرسالة الأخيرة بقلم:براءة محمد يحيى صالح

التَاسِع عَشرْ مِن كُلِ شَهر ، يَقفُ حَبيبيِ على شُرفَته ، مُنتَظراً سَاعِي البَريدْ ، الذي يَحمِل مَعهْ شَوقِي النَائِم ، دَاخِل ظرفٍ أبْيض ، يَفتحُ البَابْ ويَجري مُسرِعاً لِيَنتَشلَ مِن صِندوق البَريدْ ضِمادَ أوجاعِه ، يَضمهُ خًمسُ ضَماتْ ، ويقبِلهُ عَشرَ قُبل ، يستنشِقُ رَائِحتِي المُخلدة بين السُطور ، يَقرأُ ما خَطتُه يَديِ عِندَ أخٍر لِقاءْ :
مَنبُوذةٌ مِن كُلِ الكَواكِب ، لا مَوطِن لِي سِوى عَينَيك
أبِكي كُل يَومٍ مِن الشَوقِ والغِيابْ ، وعذابٌ يُعانِق قَفصي الصَدريْ ، والقَليلُ مِن جًسديِ ، تَقبَلتُ كُل الطَعناتْ
إلا طَعنةُ الفُراقْ ، أكادُ أجَنْ مِن فَرطِ ثقلها على قَلبي ، أذكُرنيِ كُلما رَفرفَ الطَيرْ ، وأمْطَر الغَيمْ ، إغفرْ لي ذَنباً
أرتَكِبتُهُ دونَ إرادَةٍ مِني ، أنَا مُجردُ كَلمةٍ لَم تَكتملْ ، ورَثاءٌ قَصيِر
عُنقودٌ مِن العِنب لا حَبّ لي ، أخِرُ ما أودُ قَولُه أنني أحِبُك
دُمتَ بِخيرٍ يَا كُل الخَير .

أنهى قِراءة رسالَتي المَلعُونة بِنظَره ، والغَضبُ يأكلُ مَلامِحه ، لَكن لا مَفرَ من الحَقيقة حتى لو لَم نَتقَبَلها ، مَزقَ أطْرافَ الرِسالة
وصرخَ صَرخاتٌ مُتتالِية ، يَصلُ صداهَا حتى القَمر ، فَكرَ في قَرارةِ نَفسه ، إن إرسالَ رِسالةٍ لَن يُفيدُ بِشيءْ ، وضبَ حقيِبته
وإتجَه بالقِطارْ نَحو مَدينتي البَائِسة ، التي تَرشحُ بالموتْ ، لَكنهُ للأسَف تأخرَ كَثيراً ..

إقرأ أيضا:مجتمع العار، بقلم : حنين بن مراد سويبقي ” خاطرة “

بَينَ أعمَاقِ الأرْض أقطُنُ مُنذُ سَبعِ سَاعاتْ ، قَطعتُ شَراييِن الحِياةِ دُونَه ، وتلَقيتُ مَصرعِي بَاكِراً ، بَينَ رُطوبةٍ وتُرابْ ، وديدان تَتهشُ جَسديِ ، يأتِيني صَوتُه المَكسورْ ، يَبتلعُ غَصةَ الفُقدانْ
وقطرةٌ مِن مَاءِ العُيونْ تَسقطُ على مَرقَدي ، لِتصلَ إلى وَجهيِ
تُوقِظُنيِ مِن كَابُوسٍ مُرعبْ ، أفتحُ عَيني والفَزعُ يُرعِشُ أطْرافِي
أراهُ يَقفُ أمامِي يُحاوِل إيقاظِي ، لأرتَشِف القَهوة مَعه
أضمهُ إلي ، لأخذِ القَليلَ مِن جُرعاتِ الأمانْ ، عَلها تُهدِء قَلبي الثائِر خَوفاً ..

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
خاطرة بعنوان:طريق المغترب في الغربة ،بقلم:رؤى ابو حماد
التالي
خاطرة بعنوان:صِراع الحُكم بقلم:رؤىٰ التومي

اترك تعليقاً