القصّة القصيرة

حكاية جدتي،بقلم:بقلم شهد محمد الدرسي

تجلس جدتي حاملة بين يديها دفترًا جميل الشكلِ يحْمُل اللون البُرتقَالي وبين أصابع يديهَا تحمل قلمًا مصْنُوع منْ شَجرة الصنوبر يا الله كم أحب رائحتهُ، وبأصابع مُهتزة يسكنها التجاعيد تملئ أوراق دفترِّها البُرتقالي، ترتدي النظارات الذي تمركز محورها في نهاية مُنعطف أنفها، غُرفتها وجميع اشياءها مُقدسة لا نستطيع المساس أو الاقتراب منها فهي دائماً تُحذرنا بأن من يقترب سُيعقب يومًا كاملاً وهو مُعلق في الشجرة أو سَيسجن فِي غُرفة مُظلمة، كلما طرقتُ غرفتها ليلاً أجدها تحمل الدفتر البرتقالي وتكتب بأنغماس وهدوء تام يسكن ملامِحها وعند اقترابي تدسهُ كان دائماً الفضول يُلاحقني وينخر بعقلي الصغير رويدًا رويدًا

 

حتى أصبح عُمري في مُنتصف العشرين كثرتْ مشاغلي وأصبحت افقد عقلي احياناً من فرط الضغط والاعباء التي على عُنقي، فكانت اُمي دائمًا تذهب لي زيارة جدتي الماكثة في الريف رغم إصرار امي عليها للمجيء بيننا ولكنها ترفض بحاجة روحها الماكثة هُناك، وتكرر دومًا نفس الكلمات أيسلب من الأنسانِ روحهُ،أم تريدون وضعي في تلك القنينة تقصد المدينة ؟، فقررت زيارتُها لأن المكان هناك كان في الماضي يشعرني بالراحة ، حتى أصبحت قدمي مُغتادة على الذهاب والإياب أصبحت ازورها اسبوعيًا واتفقدها كان منزلها بمثابة احتضان ومواساة لي وسط بؤسي ، وفي أحدى الأسابيع قررت بأن أتسأل عن ما يحمل بداخل هذه الدفاتر والذي نُسج في صفحاتهِ

إقرأ أيضا:حقوق مسلوبة،بقلم ،دانية الحلاق”قصة قصيرة” ج1

اخبرتني قائلة :

كنتُ في بداية المرحلة الثانوية هُنا بدأ شغفي بالكتب والكتابة بدأت مولعة بالدفاتر والاقلام كان هُناك شغفًا يملئ فؤادي بين الحين والأخر، لذا هربت إلى الكتابة وانغمست فيها كما لو أنني غارقة في وحل وسط أمطار كثيفة تُريد اغراقي كرهًا وتلطيخ ثيابي أي عقلي بالحروف الأبجدية التي أحيانًا أتمناها لو أكثر منْ ثمانية وعشرون حرفًا

 

اردفت قائلا: وما تحمل دفاتركِ يا جدتي؟

اكملت كلامها :

لدي اربع دفاتر يابُني الزهري والبرتقالي والاسود والذهبي

سألتها : وما هذهِ الألوان ؟

الزهري يا بني لفترة شبابي فَفِّي فترة الشباب يصبحُ القلب كالربيع والجسد كالنحلة النشيطة يصبح عمرك يزدادُ زهوراً بدلاً منْ أعواماً ،

والبرتقالي لفترة الشيخوخة وهي بلوغي لسن العجز ففي هذا الوقت نصبح كأشجار الخريف جميع أوراقنا قد سُقطت لا نصبح سوى شجرة ثابتة الفروع ولا تتمسك بها سوى ورقة أو ورقتان لأنهم هما من عاهدوا بالبقاء والتمسك بها

، أما عن الأسود فهو ذكرياتي السوداء الراسخة في ذاكرة قلبي ووفاة جدك وكل عزيز ذهب إلى الله وجميع من مر علي وأذى قلبي وجوارحي ،

أما الذهبي فهو يروي حكايتي الذهبية القلادة والقفص الذي دخلتهُ كان أعظم قفص وسجن احببتهُ واغرمت بهي رغم عدم راحتي وسهري على أطفالي إلا أنني أغرمت بِّهِ،منذُ زواجي إلى انجابي لأطفالي وحياتهم وكيفية عيشهم ولحظاتِ الجميلة جميعاً

إقرأ أيضا:حقوق مسلوبة،بقلم ،دانية الحلاق”قصة قصيرة” ج1

وأملك دفتراً أزرق اللون صغير الحجم وكثير الفائدة ادون بهِ نصائحي

أخبرتها قائلاً :

جدتي الفضول أصبح ينهشُ بقايا صبري أريد القراءة ؟

-حسنًا هل نويت الزواج

-لا أو رُبما نعم ..

-اذا عندما تنوي الزواج لك بأن تقرأهن جميعًا

-لمَ يا جدتي؟

-لأن ابنائي الباقين جميعهم قرؤا هذهِ الدفاتر قبل زواجهم

-لماذا تربطين الزواج بهم!

-لأنك ستبحث عن أمرآة تجيد كل شيء ولكن عقلك سيصبح مشتتاً، واحياناً لاتحسن الاختيار لذا هذه الدفاتر ستجعلك تبحث عن أمرآة مثلي ولا تهلك بالاختيار وستبحث عن كاتبة حتمًا ؛ أليس الطقس جميل اليوم !

-لماذا كاتبة؟

-لأن من يعيش بقلبْ كاتبة لايموتْ أبداً ستصبح ضحكاتهُ مقطوعة موسيقية وقلبهُ موسوعة جينيس، وسيحقق الارقام القياسية في قلبها عن الحب، وتاريخ حياتهُ إلى مامتهُ سيصبح مدونًا أول لقاء واخر لقاء ولحظات الشوق والاشتياق جميعهن سيحفظ وينسج ويخرج على هيئة نصوص حِّيكتْ بإحكام ساعدتكَ في الاختيار يابُني وفتحتُ لك باباً رُبما يُفيدك ولكن هل لي بطلب ؟

-بالطبع!

-أريدك بأن تختار عروسًا تجيد الكتابة لتكتب نهايتي

-جدتي

-ماذا تُريد؟

-وهل ابنائك حصلوا على كاتبات ؟

إقرأ أيضا:قصة جميلة عن التواضع

-من أنتَ أيها الأحمق أغرب عن وجهي تشبه جارتي حسناء الماكرة لابدا انك ابنها حسن

-جدتي انا حفيدك

-اذهب ولا تحملق في وجهي لا امتلك ملحًا وقل لأمك من يريد الملح يذهب للبحر ..

 

“جدتي مصابة بالزهايمر تنسي التفاصيل ودائماً تقول بأنها لديها أولاد ولكن في الحقيقة هي لا تمتلك سوى أُمي فقط رغم مرضها فهي لم تنسى جدي وتفاصيل شبابها وحياتها ولم تنسى مفرداتها التي تخرج من جوفها إلينا كجوهرة مدفونة ولا الحروف الأبجدية ومفردات اللغة أنها تنسى الحاضر الذي شوه الحياة وجعلها باهتة الألوانِ حيث لا طعم ولا رائحة ”

 

-شهد الدرسي

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
قهوة مثقفة،بقلم:يوسف الجيزاني
التالي
فقدان الذات،بقلم:اسلام بشار الصبيح

اترك تعليقاً