مقالات ونصوص متنوعة

عبِقهُما، بقلم:نور ناصر”خاطرة”

 

آلمني رأسي من صدمةِ الرائحة ،حينما لمست أناملي حوافرَ الجُدران وقفت مصدومةً كيف كان يُشبهها حتى في عبقهِ،أبسط تصرفاتهِ وأفعالهِ موضع إبريقَ الشاي، الكاس النص الممتلِئ، موضع السّرير المائل والسّتائر شبهُ المرفوعة ،مفارشُ  الطّاولات الفاتحة ،أغطيته ووسائدهُ تشدو تقديرّا بعبقِها ،وكأنّه هي وليس فقط طفلًا  من رحمها .

كانت تناقداتهم الوحيدة لونُ البشرة بين الحليب، مُرّ الرائحة والشوكولاه الذّائبة ،كان لهما نفس تعسّفاتِ الوَجهِ واكتفائاته وكأنّها لم تعش أعواماً قبل ولادته ،وكانهُ كان رفيقُ دربِها منذ تعلّمت كلماتها الى الصبا ،يقتبسان الفرح المعتق من لحضات الحزنِ معاً وكأنّهُ حضر زفافِها مُسلمًا اياها بيدية،تعبق منحنيات أصابعهِ رائحة الأبوّةِ والحنان بينما مهما غزا الشّيبُ النّحاسيّ راسها تبقى طفلته،كانت كاتبةً وكأنه هو شاعراً كان مجمعُهما بيتً من النثر الملحمي ،ملحمةٌ من اللّاممكن المُستحيل في مُقرناً واحد ،
وهكذا تودّدت الحياةُ إليهما تغزل خيوط المرونت بخداع ،مفرقةً ب تلاعبها أياديهما دموية الرابط،كان النّصر لكل خيباتها ،والنّظر لعيناها البحرية ضغيفةُ النّظر،محاربها الوحيد بعد أن ثقُلت حربِها بالعتادِ ،ومن سأم الحياة فيهم أصابت قلبها مُضعفةً إياهُ فباتَ يمشي دونها إعراج الشعور وهكذا حتى رحلت ،تاه الطّفلُ عن والدتهِ وفقد الرّبيع عبق زهوره وتوقّفت الأشجارَ عن إنبات أوراقها،ولم نعد نرا التّساقط في خريف الدنّيا،واشتدّ الشّتاء بردا وقصورا،وعصفت الوحدة الأجواء ولازال الجميعُ يحاول جمع لوحة الّلغز لكن القطعة الرابطة مفقودة.

إقرأ أيضا:انطفاء روح ، بقلم : شهد محمد الجمزاوي

نور

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
مني إليك.. والذكرى ظل لا يفارق بقلم:آية ناصر برغوث
التالي
إليه بقلم:عبدالعزيز سامر الزغبي

اترك تعليقاً