خاطرة

بعد منتصف الليل، بقلم : ابراهيم نعسان

السهرُ وحدهُ لا يكفي ليُسعدَ شِغافَنا، ساعاتٌ وساعاتٌ تمرُّ كالطيفِ، تقتلُ في داخِلنا (جمالَ الروحِ)، تُشرِّع الاغتيالَ الباهت لأجسادنا، وفي كل دورةٍ من عقاربها، تلدغنا صفحاتُ الذكريات، لتُفرِّغ فينا ما تحتويهِ من جراحٍ غامضة.
انتقلتْ الآن الساعةُ إلى الواحدةِ إلا ربع، إلى باب الحنين لتطرقهُ بشدّة، فَيُفتح من شدَّةِ الحنق بمصراعيه، يدورُ ويدور العقربُ، باحثاً عني في (داخلي)، يروقُ له أن يلدغني، ويؤلف فيَّ مقطوعاتٍ تضاهي (بيتهوفن بمقطوعاته)، ويعزفها على صدى أنيني.
آخر ما توصل إليه ذلك الفن، أنني لا أصلحُ إلا لأكون ضحيةَ السهرِ وحيداً، مغرداً خارجَ سربِ الطيورِ المهاجرة، إلى أوطانٍ تُقَدِّمُ إليها إقاماتٍ بالمجان، تأويها وتحنُّ وتعطفُ عليها إلى حينِ وقتِ عودتها.
ليس كأنا، مُربَّطَ الجناحين، مرميٌ في غابةٍ تسكنها الشياطين، وعقاربُ الجنِّ المتوحشةِ العطشة إلى إيذاءِ كلَّ حي.
حاولتُ كثيراً الصعودَ إلى قمةِ الجبلِ الواقع فوقَ القلب، واختراق صداه، لأعلنَ من فوقهِ قيامَ مملكتي الجديدة، بكيانها الحديث بعيداً عن الشياطين، وأصحاب الأيادي السوداء، والألسن الطويلة المليئة بالكراهية والعنصرية.

ولا زلت أحاول، لأصل إلى الضياء والنور، وإلى الفجر المنشود، حتى أعتنق الحرية طريقاً أسلكه، ومبدئاً أمشي عليه، لا أهاب بعده شيء.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
مذكرات وطن حزين، بقلم : سجى أبا زيد
التالي
زفاف، بقلم : أليسار مظلوم

اترك تعليقاً