مقالات ونصوص متنوعة

الغريب، بقلم: وئام موسى’ نصوص نثرية

 كم من غريب وضعته الحياة بطريقنا كان أقرب من القريب إلى أرواحنا، كم من غريب جلس بجانبنا وذُهلنا به دون كلام بيننا ،كيف له بأن يشاركنا كل شيء حرفيًا حين نتحدث وكأنه كان جالس في روحك منذ زمن طويل ؟.. في بداية الأمر يَسير من أمامك على أنه أحد الأشخاص اللذين لا وجود لهم موقع ولا مكان في حياتك بتاتًا ، فحان الوقت لتتعامل معه لمصلحة ما فتبدأ بتمييزه عن باقي الموجودين في حياتك ثم تسمع موسيقى كلاسيكية منبعثة منه ، غير أن كلامه ليس كأي كلام من الممكن أن تسمع كلامه العادي شِعراً ، هذا الغريب هو موجود بداخلك فعلا منذ زمن لكن حان الوقت الآن لترى جسده ، كم كنت تنتظر هذه اللحظة لتراه أمامك لتخبره بأنه يسكنك ، يشاركك كل تفاصيل الكآبة الدقيقة التي تعيشانها يجلس معك تتكلم معه حين تكون وحيدًا . هذا الغريب الذي يجلس أمامي الآن أنا أعرفه تماما ، لقد جلسنا أنا وهو طويلًا في زاوية ما في قلبي منذ زمن حتى الآن .. والذي يعرفني أكثر مني ، تَعَرّف على شخصياتي جميعها ولم يجمعه بي إلا شخصية واحدة .. ( شخصية الكآبة ) كان يبكي كما أبكي طيلة الوقت وكان يرسم على الحائط خطوطًا لا معنى لها بقدر ما لها معنى ، ويسألني إن أعجبتني رسمته وأنا أجيبه بأسى قاتل أنها جميلة جدا ، حيث كان يرسم بالمعنى الدقيق عزلتنا الكئيبة ، كُنت مثله تماما أفعل كما يفعل لكن كلٌ منا بوقت مختلف … وقت ملعون لم يجمعني به مرة واحدة على الأقل . كان يبكي كثيرا كما أبكي أنا ويهدأ حين يعتزلني أيضا ، أو لا يهدأ .. لا أعلم ! ما يسعدني بأن غَريبي يحادثني في وحدته ويشعر كما أشعر ويقول كل ما أعرف. كم أن هذا المكان المتواجدون فيه خطير لا يُشكل مكانًا آمناً ، تحدثنا كثيرا ، يأسنا كثيراً ، مِتنا خمسة وعشرون ألف مرة ، قال لي أيضاً :” أحسد الأشخاص الذي لم يقرؤوا الأجنحة المتكسرة لجبران، ولم يعرفوا الماركسية، ولم يسمعوا موسيقى جاكلين دو بري، ولم يفهموا قصيدة لاعب النرد لمحمود درويش، ولم يقرؤوا رواية الغريب لألبير كامو، ولم يسمعوا بإميل سيوران ولا نيتشه، ولم يروا لوحات تجيسلاف بيشينسكي، ولم يشاهدوا فلم أبوكاليبتو لميل جيبسون، ولم يقرؤوا مئة عام من العزلة لماركيز. أحسدهم حسداً طبقياً بغيضاً حين أراهم يعيشون الحياة بشكلها المختلف عن حياتي بسبب أنني أعرف كل ما ذكرت، هذا الشكل المريح الذي أتمنى أن أجربه ولو ساعة واحدة حفياً، حيث إن هذه المعرفة لم تجعلني أفضل من الأخيرين، بل أتعس فقط لا غير.” . لقد حاولنا الإنتحار أكثر من مرة لكن نحن جُبناء في كل مرة ، لقد مدح نفسه أو ذَمها قائلاً: إليّ ، مع الشكر لأنني لم أحاول محاولة واحدة جادة للإنتحار . إستمر في محاولاتك ، لكن برب العرش لا تنتحر . كأنه وضع كآبة العالم كله في وجهي ورَحل ، ترجم حالنا الواحدة في نص صغير ورَحل، ولا أحد سوانا يفهمه ، سنظل نبكي وحدنا كل واحد منا في مكان مختلف ، كيف لروح واحدة أن تسكن جسدين مختلفين إلى هذا الحد ؟ نسخة طبق الأصل عنك في هذه الحياة ولا تستطيع أن تتحدث إليه دومًا ! يا لسخافة هذه الحياة دون وجوده في مكاننا المخيف الآمن سويًا ، لكن لا يمكن للحياة أن تقول لي تخلصي من هذا الشخص بعد الان . أصبت بإنهيار فظيع وأنا أكتب ربما يتبع لاحقًا

إقرأ أيضا:عمل طبيخ البطاطس بالصلصة

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
سيادة الكُتّاب، بقلم : عبد الكريم زيدان
التالي
وافترقنا، بقلم : رهام منير عبد النور

اترك تعليقاً