مقالات ونصوص متنوعة

الحفرة، بقلم: رشا السبيعات

 الحُفرة.
ومثل كلّ ليلةٍ، وسادتي تصرخ تطلب مِن عيناي التّوقف لأنّها تحملتْ من الماء ما استطاعتْ، تعلمُ أنّها صديقةُ وِحدتي وكاتمةُ أسراري الّتي لا أجرؤ أن أخبرها لإنسان.
مازالتْ عيناي تذرف لآلئَ تلمع، ورّبما لو جمعتُها لأصبحتُ أغنى فتاةٍ على وجه الأرض، ولكن إن جمعتُ لآلئي فما أستطيع سوى بيعِها؛ أخاف أن تكون إحدى لآلئي المشؤومة السوداء اللون سببًا في موتِ أحدهم أو دمار عائلة أو خسارة مشروع.
أجهل ما أنا، لا أعلم ما أفعله وكأنّ هناك ستائرًا سوداء تغطي مُقلتاي، مَن أنا؟ كيف أصبحتُ هكذا؟ كيف ما زلتُ على قيد الحياة مع كلّ هذا الألم؟
لأخبركم مَن أنا:
أنا فتاةٌ لم تُكمِل ربيعها الخامسَ عشر لأنّها ما زالت عالقةً في شتائِه وشتاؤه ليس كأيّ شتاءٍ، شتاءٌ يدّمر كلّ شيءٍ حتى يتحوّل لقطع صغيرة لا تُكمّل بعضها، شتاءٌ لا تكُف غيومه عن إسقاط حمولتها ولا رياحه عن الهدوء في مكانها، ولا تكتفي عواصفه بتدميرٍ بسيط وكأنّه إنذارٌ لسكانها وإنّما تدمّر كلّ من أمامها، تستمر بالتدميرِ حتى تتآكل وتدمّر نفسها أيضًا.
شتاءُ قلبي ليس كأيّ شتاءٍ، فمهما حاولتُ أن أشعل نارًا لتدفِئته تحرق النّار نفسها وتحرق قلبي معها، لقد حُرِق قلبي حتى انصهر وذهب بعيدًا عنّي، فقد سئم منّي ومن نيراني.
ما زلتُ على قيد الحياة، لستُ على قيد الأمل، أعيش ولا أعيش، أتنفس وبكلّ نفسٍ أختنق وكأنّ الأوكسجين يخبرني بأنّه لا يريدني، قررتُ أن أصنع حياةً مثاليةً لقلبٍ انصهر، سألتُ الكثير من المتألمين، كنتُ أظنُّ أنّ هناك من يشبهني، كنتُ تائهةً أبحثُ عن توأمٍ يشاركني ألمي، ولكنّ المصيبة الأكبر أنّني لم أجد، فكلّ من سألتهم تعّجبوا ضاحكين متسائلين: فكيف ينصهر القلب ويذهب يا صغيرتي؟ كان لكلٍّ منهم حكايةً تميّزهُ في مجتمع الألم هذا، فمِنهم مَن فقد زوجته ومنهم من كان سببًا في موت أبيه، منهم من أفنى حياته للمال حتى أفنته، ولكن لم أجد أحدًا منهم فقدَ أحباءَه جميعًا، واحدًا تلوَّ الآخر حتى لم يبقَ سواه، لم أجد أحدًا أصابته رصاصة في قلبه ولم يمت، لم أجد من دخل مَشفى الأمراض العقليّة بعد أن فقد زوجته الّتي كانت بروحان لا بروحٍ واحدٍ، وبعدها فقدْ رأى ملاكًا ممدًا على الأرض كان يحاول الطيران فكان هناك من تكّفل بقصِّ جناحيه، فقَدَ أبيه، أخيه، ابنيّ أخيه، وكم سأعدُّ بعد؟ فكلّ من أتى لقلبه غادر باكرًا من دون اذن، وكأنّه كان يجمع أحباءه حوله كما الخرز يُجمع في مسبحة واحدة لتنقطع في أشدّ الحاجة إليها وتسقط خرزاتها واحدة تلوّ الأخرى وهو بدوره جمع الخرز من الأرض ووضعها في جيبه كما جمع أحباءَه ووضعهم تحت التراب، فقاطعني أحد المتألمين قائلًا: أياليتَني مكانكِ، ويحبّني الله كما يحبّكِ، إنّ الله إذا أحبّ عبده ابتلاه بأحبّ شيءٍ إلى قلبه يا صغيرتي.
وكأنّ بعد كلامه لم أعلم ما حدث لي، شعرتُ بوخزٍ في الجّهة اليسرى من صدري كنتُ قد افتقدتها كثيرًا، وكأنّ قلبي المنصهر عاد لي في أضعف نقطة قد وصلتُ لها،
فلا تيأس.

إقرأ أيضا:علاج الاكتئاب، اخر ما توصل اليه العلم

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
تعرف على عملة كوبا
التالي
معلومات عن العملة البريطانية

اترك تعليقاً