مقالات ونصوص متنوعة

فوّضته قَلبي، بقلم : رَغَد خالِد أبو خليف، “نصوص نثرية”

رُبّما تنقضي 03:06:81 من السّاعةِ بينما أنتَ تقرأني ما بينَ حُروفٍ وكلامٍ يكادُ يكونُ طويل..
” فوّضته قَلبي “
     ألمحُ ساعَتي تدنو مِنَ الأنا إلّا أنتَ ما بعدَ البُعد، على كُرسيٍّ خشبيّ مُهترئٍ هجرَتهُ شتّى مُسميّاتُ الأناةِ مُترّنِحةً أنا، رُسغُ كفّي الأيسر يضطرِبُ ألمًا وألمسهُ بيدي اليُمنى ما بينَ سَكَراتِ الّلاوعي لأنزعَ ساعتُكَ السّوداءَ ذات الطِراز الكلاسيكيّ، ألمحُ سرابَ هيئتَك خِلسةً، وكأنّما حِسٌّ يُداني حِسُّك: “لا تتعريّ منها، لِأبقى فيكِ حَيّ”، ويعزُّ عليَّ أنتَ حتّى ولو أنّنا انتهينا.
      مَرّ طواعيةً على خَلَجاتِ قلبي هامشُ الـ “كان وكُنّا”، يُخيّم في دهليزِ اُذني تحديدًا: “انتَ أوِل كُلّ حاجة والبِداية لكُلّ شيء”، لانَ وَجهي وهُدَّ حَيلي وكُلّي تبعثر، أهِمُّ وقلبي الّذي وَكّلتُّكَ إيّاهُ يجهشُ بِالبُكاء أمشي في غُرفةٍ حتّى نورَها ظَلام مِساحَتُها قَدرَ المِترينِ بمِترٍ رُبّما، أتحسّسُ بِكُلّي على ساعتِكَ أتذكرُّ أنّنا كُنّا في نفسِ المكانِ هُنا عِندما أخذتها منكَ ونازَعتُكَ فيها، لمستَ غُرّةَ شعريَ المُنسابِ وعاهدتَ رُوحي بميثاقِ البقاء بألّا تدعني، عاهدتني بأنّكَ لن تذرِفَ مِن عينيّ دمعةً البتّة، ها هُنا،
 فأينَكَ أنتَ وأينَ الوعودَ والعهود وأينَ ما أقسمتَ عليهِ لي؟، -وأُدندِنُ بصوتٍ محشرجٍ “قلبي عليّ، أنا ما ملكتُ شيء..”-
أُكمِلُ سيري أيا أشقرَ الملامحِ يا صاحِبَ الظِلِّ الطّويل، حُرٌّ بمئةٍ وأربعةَ عشرَ رمشًا لِكُلِّ جفِن، يا مَن صوتهُ حريّةٌ وطنيّة “وأنا بِتنَّفسّ حُريّة”، أنتَ يا مَن فوّضتهُ قلبي بِلا كُلَف أودعتُكَ إيَاهُ وأنتَ ترتَجِفُ،
      قيثارتُكَ الّتي كُنتَ تعزفُ لعينيّ بها لا زالَت هُنا -أيضًا- ألمِسُها بأنامِلِك، رائحة عِطرُك التي نُحبّها كما لو أنّكَ تقِفُ وجهُا لوجهٍ أمامي، لا يرّفُ رمشي إلّا وأنا أذرفُ رُبّما سبع كيلوغراماتٍ مِنَ الدمعاتِ..
      أوَشوِشُ رُوحي والرّياش -حتّى-: تاللهِ ما ذنبُ قلبٌ عِلّته وكُلّ دائِهِ ودوائِه الشّغفُ؟، أسقطُ مغشيًا على قلبي من التعبِ وبالكادِ أهمُ وأرجِعُ إلى الكُرسيّ المهترئ كقلبي، أرفعُ ظَهري وأربِطُ شعريَ المنكوش -كما كُنتَ تُحبّه-، وأُردّدُ بلا وعيٍ: “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا”،
       لم نكتُب روايتنا الأولى سويًا ولم نُهاجِر إلى ألمانيا ونستقرُّ هُناك أنتَ وأنا وكُلّ حكاياتِنا، لم نكن لبعضنا حقًا هُنا، ألا لعنةَ اللهِ على حربٍ قتلتني وشرَّدَت ملامح خافِقي أنا قبلك!،
 لم تؤمن الحربُ بإنسانةٍ مثلي، توّقفت رغبتها تجاه كُلّ شيء عدا حُبّك، رصاصةُ محتلٍّ اخترقت شغفَ قلبَكَ والضحيّةُ قلبي…
الثّامِن عشر من أبريل – الرّابعة وأربعونَ دقيقةٍ شرقيّةٍ مأساويّةٍ صباحًا.

إقرأ أيضا:كيف يعمل الذكاء الاصطناعي

رَغَد خالِد أبو خليف.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
ضحايا الحرب، بقلم : محمد محمود ريان
التالي
التراث الفلسطيني.. أمارة الوجود / محمد حمدان الرقب

اترك تعليقاً