مقالات ونصوص متنوعة

حبٌ على قيد الموت , بقلم : مروة محمد عيد الصاج “نص”

أذكرُ جيداً ذاك اليوم، وكأنّما هو شريطٌ يعادُ أمامي باستمرار، فمنذ أن رأيته للمرة الأولى أينع في قلبي نبضٌ غريبٌ كصاعقةٍ أصاب أيسري، لما أدري ماهية ما حدث حتى راودتني صورته في تلك الليل كالبدرِ مبدداً ظلامه الحالك، أشحتُ برأسي يمنةً ويسرى علّني أبعد تلك الصورة. أيامٌ قليلةٌ قد مضت قبل أن تستأذن إحدى السيدات أمي من أجل زيارتنا فقد كانت بصدد البحثِ عن شريكةٍ لابنها. في موعد الزيارة، عقاربُ الزمن تصطك ببعضها، صورة ذاك الشاب احتلت الأجواء ثانيةً تصطحب معها ألف سؤال، ماذا لو لم يكن ابنها جميلاً كالشاب الذي رأيته؟ أبدو ببلاهتي تلك كمن يبحث عن إبرةٍ في كومةِ قش، لست أدري كم لبثتُ في غرفتي، ولكني كلّ ما أذكره الوابل من التعليماتِ الذي أُلقي على مسمعي بنبرةِ أمي الحاد. حسناً يتوجب عليّ كما تقول العادات أن أقدم القهوة الآن، بخطواتٍ غير متزنة تماماً كنت أخطو نحو الصالة، دقاتُ قلبي تتسارع وكأن قلبي سيفرُ من مكانه، وخوفٌ غريب يحتل أجواء تفكيري، الآن لأدخل هناك فقد طال انتظارهم، وبخفةٍ أشحتُ بناظريّ لعلي أراه وجهه كي لا أصدم، فكانت صدمتي أكبر مما توقعت، تراجعتُ على الفور إلى الوراء، هذا هو … الشاب الذي قابلته، أيعقل هذا؟ تتزاحم الأفكار في رأسي، أأدخل وكأن مامن شيءٍ قد حدث، أم أتراجع؟ وفي ظل حيرتي ترنح صوتُ أمي تفضلي، استجمعتُ قوي ودخلتُ مرحبةً بهم. يبدو أنّي نلتُ علامةً تامةً في رأي أمه، نظر إلي بخجلٍ شديد لتعلو على مبسمه ابتسامةٌ بدت ماكرةً بعض الشيء. تمت مراسم الخطوبة. ومضى أيامٌ لم تخلُ من لحظةِ سعادةٍ ولو خلسةً، إلى أن خيم الشؤوم في أجواءنا، في ذاك اليوم كان يرغبُ بزيارة صديقٍ له فأخبرني أنّه سيسافر لمسافةٍ طويلةٍ، كعادتي أستودعته الله وبقيتُ أنتظر هاتفاً منه يخبرني بوصوله، ثمّ فجأةً أشعر بقلبي ينقبضُ، أنفاسٌ متخبطة، أفكارٌ سوداويةٌ تهاجم تفكيري، وفي غمرةٍ من الزمن رنين الهاتف المفاجئ يبدد كلّ هذا، مرحباً… مستشفى الأهلي. زوجةُ السيد علي -لا…أنا خطيبته، هل أصابه مكروه؟ ماذا حدث؟ أخبرني. -أرجو أن تراجعي المستشفى فقد وصلنا السيد علي بحالةِ أسعاف يبدو أنّك أخر من حادثه لذا قمنا بالاتصال بكِ فوراً. لم أعدّ أعي ما عليّ فعله، حملتُ هاتفي واتجهتُ نحو المستشفى، بدا لي طريقُ طويلاً وكأن السيارة لبثت واجمةً في مكانها، شردتُ قليلاً أفكر به، ليقاطع شرودي صوت السائق لقد وصلنا. غادرتُ السيارة مسرعةً نحو الداخل، وصلت الاستقبال وأن ألهثُ بالكاد أقوى على التنفس، – السسسيد علي بأيّ غرفة؟ -٢١٢ على بابِ الغرفة تتضاعفت صدمتي، وخارت قواي بشكلٍ متسارعٍ، كان هناك يستلقي كملاكٍ، ولكن من تلك الأنثى التي تمسك بيده، ليستُ أخته فأنا أعرفها جيداً، ولا قريبةً له من هي ياترى؟ طرحتُ عليها سؤالاً بغيةَ التأكد: غرفة السيد علي. بصوتها المرتجف والدموع قد أغرقت وجنتها: بلى.. من أنتِ؟ تلعثمت حروفي: بماذا أجيبها؟ أنا…أنا… خطيبته. ولكن من أنتِ؟ كلانا بدا كمن صُفِع على خده، حدقت فيّ جيداً، قبل أن تنبثَ بجمرتها على مسمعي، أنا زوجته ألا تعلمين بأنّه متزوج. زوجة من…. ماهذا الهراء؟ لا أدري كيف تمكنتُ من قولي هذا. جمدتُ في مكاني، وشلالُ الدمعِ المنسكب ينهمر كما الجمر يكوي قلبي. وبلا وعيٍ ركضتُ نحوه انهرهُ بكل قواي مرددةً: ولكن لماذا… لماذا؟ كيف تجرأت على كسر قلبي بهذا الشكل؟ يالك من مخادعٍ تافهٍ، فلتحترق بنارِ خذلانك لي. أخبريه عندما ما يصحو وأرجو الله ألا يستفيق بأنّي لا أرغب برؤيته ولا حتى سماع صوته. فلترقدُ بقلبه غصةٌ تكويه كما فعل بي. هذا ما قلته لزوجته قبل أن أغادر مترنحةَ الخط، تائهة الدربِ، أتلو من شدةِ الألمِ.


إقرأ أيضا:بعدَ رحيلك، بقلم: مريم عزيز”رسالة”


Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
أمي كانت كاذبة، بقلم:بلسم نزار طعمه، “نصوص نثرية”
التالي
يكفي يا أبريل، بقلم: جودي عبدالقادر أبي ياسين/ سوريا، “نصوص نثرية”

اترك تعليقاً