القصّة القصيرة

جريمة عادلة، بقلم : علا عبد الكريم عبد الحليم، “قصة قصيرة”

#جريمة_عادلة

5/5/2015
في هذا اليوم تمّ تنفيذ حكم إعدامٍ جائر بحق شابة لم تكملْ ربيعها الرابع والعشرين، طلبتُ منها مراراً؛ بل رجوتها لنستأنفَ الحكم ولكنها رفضتْ ببرود شديد معلّلة ذلك بأنها وصلت لغايتها، وأنّ روحها سترجع إلى ربها راضية، فلا يهمها إن كان الحكم ظالماً أم عادلاً.
مازلتُ للآن أذكرُ أخر مرة رأيتها فيها، كانت قبل تنفيذ الحكم بثلاثة أيام، عندما قررتْ أن تبوح لي بالسبب الذي جعلها تقدمُ على فعلها هذا، اقشعرَّ جسدي لرؤيتها تروي حكايتها بهذا البرود، ملامحها لم تنبِ عن أي شيء، كانت ملامحُ إنسان فقط، مجردة من أي شعور، بدأت حكايتها بضحكة ساخرة:
_بلغتُ من العمر أربعاً وعشرين عاماً؛ وما زلت للآن أخاف أن أغفو دون احتضان دميتي التي همستْ لي منذ خمسة عشر ربيعاً أنها ستقتلني إن جربتُ استبدالها بأخرى.
ألتفُّ بغطاء سريري متثبةً عيني على عينيها علّها تقرأ محبتها في عيني، فترد لي بابتسامة تملؤها البراءة أن سنبقى سوياً، لن يفرقنا أحد.
ولكن لا أدري لمَ ما إن يُطفَأ النور حتى تبدأ بمحاولة إيذائي، تأخذُ سكيناً صغيرة وتبدأ تلوح بها في الظلام، لا أرى يدها ولكني أرى لمعان نصل المدية جيداً، أحاول الحراك عبثاً، أغمض عيني وأردد “إنه وهم، إنه وهم”.
أستيقظُ في كل صباح لأجدَ جرحاً جديداً في إحدى مناطقِ جسمي، تارةً يتوسط يدي، ومرة قدمي، وثالثة بطني، وأذكرَ أن أخرها طُبِعَ على وجنتي.
في مساءٍ مشؤومٍ قررت ألا أنم، أريدُ أن أراها كيف تفعل ذلك، وراعني ما رأيت، ليتني لم أرَ السكين بيده، ليتني لم أعرف الحقيقة.
بدأتْ يداها المثبتتان على الطاولة أمامنا ترتجفان، وبلحظة انهارتْ تلك القوة التي ارتدتها عنوة، بدأتْ تنتحبُ نحيباً مخيفاً، أحسستُ أن جدران السجن اهتزت لرجفة صوتها:
_لقد كان أبي، أتعرفين مامعنى أن يؤذى المرء من حاميه.
مسحتْ دمعاتها بحقدٍ بدأ يتلبس ملامحها الخالية:
_ والأشنعُ من ذلك أن تقضي المحكمةُ بإحالته إلى مشفى للأمراض العقلية لزعمها أنه مريضٌ عقلي، فكان يجب أن أقتله، أن أؤذيه.
لم تكن عيناها وجلتين، ولا نادمتين، لمحتُ فيهما ألف شعور؛ عدا شعور الندم.
_نفّذتُ العدالة كما يجب، جعلتُ كلّ الرعب الذي اعتراني طيلة تلك السنوات يسري في عروقه في غضون ساعة من الزمن.
رجوتها كثيراً أن نلتمس استرحاماً، علّ جرم القتل عن سابق إصرار يخفف، ولكنها رفضت.
نظرتها الأخيرة التي رمقتني بها لا أنساها، كان أخر ما قالته لي:
_حرّموا الأبوة على كلّ أبٍ لا يستحقها.

إقرأ أيضا:حقوق مسلوبة،بقلم ،دانية الحلاق”قصة قصيرة” ج1

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
طريقة عمل لحمة الراس
التالي
ضجيج أخرس، بقلم : يزن خالد الدميسي ” نصوص نثرية ”

اترك تعليقاً