Funny

نص نثري بقلم بلقيس يوشع حيدر

ما استطعتُ يوماً أن أُقَدِّرَ ما أريدُ بحضورهِ.. كنت أحبُّهُ بعداوةٍ كبيرةٍ.. أكرههُ بصداقةٍ عميقةٍ.. تريدهُ روحي في حين يرفضهُ عقلي.. ويتمنّاه قلبي في وقتٍ تستصغرهُ رؤياي.. أنا مافهمتُ يوما ما صلتُه بي.. أقربُ غريبٍ .. أم أغربُ قريبٍ!!.. بقدرِ ما تعمقتُ بهِ بقدرِ ما كنتُ سطحيةً معهُ.. لايعنيني ولكنّه ساكن في كياني.. أحاربهُ علناً وأدافعُ عنه في غيابهِ.. كان هذا طبيعيّا في النهاية.. ففتاةٌ مثلي ستضيعُ حتماً وسطَ معناه..
كلُّ شيءٍ كانَ مدروساً.. مكتوباً .. مُقدَّراً..
حينَ جلسَ في المرةِ الأولى مقابلَ قلبي .. ودونَ أنْ أنظرَ إليه..
كانَ يَصِلُني وهجُهُ كشمسِ آب الحارقة..
وأنا أُصلّي بكاملِ احتراقي بهِ.. ألّا يبقى وألّا يرحل..
أو كما ترتلُ فيروز *إذا رجعتْ بجن.. وإن تركتكْ بشقى* ..
كان هذا أقربَ تصويرٍ لمعاناةِ أنثى صامتة.. وسط واقعٍ ثرثار..
لساعاتٍ .. وساعات.. نسيتُ تماماً أننا في شتاءِ كانون .. في ليلةٍ ثلجيةٍ عاصفةٍ .. أمامَ جوٍّ ماطرٍ باردٍ .. الكونُ بأسرهِ يبحثُ عن الدّفءِ بنهمٍ… ونحنُ نحترقُ ببساطة.. نحترقُ معاً.. ولكن كُلٌّ بسريرتهِ وكتمانهِ..
هذا الرجلُ.. كان جميلاً بطريقةٍ مؤذيةٍ..
حيثُ أنّي بذلتُ قصارى جهدي في عدمِ النظرِ إليهِ طويلاً..
لكيلا تتمزقَ الشّغافُ فجأةً.. أو تنتكسَ الرّوحُ التي تعافتْ منه.. وحينَ لم أنظرْ.. تناثرتْ روحي لأشلاء يتيمة.. وكأنّها قالتْ لي فجأةً : لامفرَّ أبدا..
كان وسيماً لدرجةِ أنني تخمرتُ بتفاصيلهِ المدهشةِ..
لدرجةِ أنني اعتقدتُ أن جميعَ الوسيمينَ اختُصِروا به..
أنا لم ترتوِ عينايَ يوماً من مشاهدتهِ..لم تشبعْ جوارحي ليلةً من تحركاتهِ.. لم أستطعْ أن أصدقَ لحظةً أن هذا البهاءَ كلّه لي..
كان عبقريّا جدا.. بالصّمتِ بالغيابِ بالرّحيلِ بالتّخلي..
بالوسامةِ بالطفولةِ بالتّعلقِ باللامبالاة ..
بكل شيءٍ ينتهي بخذلان…
كانت روحهُ تمرُّ على شغافِ قلبي بصمتٍ مرعبٍ..
وتعانقُني باختيالٍ وكأنّني توأمتُها..
وكأنّني خُلقتُ لأجلِ عينين محتالتين..
تركتا الأفقَ بسحرهِ .. الوجودَ بألوهيتهِ.. لتستعمرا قلبا فُلِقَ ذاتَ فجرٍ من النور..
وكأنّني أمرُّ اليومَ عليها كزائرةٍ.. فأراني بها مُخلّدة.

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم براء حسين

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم مروة المجبري
التالي
نص نثري بقلم دانية راعي

اترك تعليقاً