مقالات ونصوص متنوعة

في كل مرة “بقلم ابتهال فواز خليليّة

في كلّ مرةٍ أُشاهدُ بها الأفلامَ التي تعرضُ الحكاية الفلسطينيّة لم أكنْ أستطع تقييدَ عَبَراتي، ولم أكنُ أستطعُ أبدًا أنْ أُسكتَ شهقاتي، أو صراخَ قلبي الصامت المكدَّس بالشجى.
كانتْ تتهافتُ دائمًا أسئلةٌ كثيرةً على رأسي، وتهطلُ معها غصّاتٌ حنظليّةٌ على صدري.
إنْ كنتُ أنا أُشاهدُ هذهِ المأساةَ المنسيةَ التي تُخانُ كلّ يومٍ وتطمسها حَداثةُ الحياة، وتبيعها تخاذلاتٌ لا تُحصى كلّ يوم وهكذا يتفطرّ فؤادي من مشاهدٍ تمثيلية فكيفَ كانَ حالُ البشرِ الذينَ جابهوا هذهِ المشاهدَ، وعاشوها واقعًا وألمًا، وكابدوا دُمسَ ظلامها، وحلكَ أيّامها؟ كيف لإنسانٍ يعي بهذهِ الحقائق أن يخونها؟ كيفَ لهُ أنْ يجعلَ العام يطوي الآخر دونَ تسجيل فعلٍ واحدٍ يُساندها؟ ويحاولُ أنْ يُمسكَ الريشة ويمحي ولو قليلًا من سوادِ هذا الواقعِ العربيّ المرير؟ لماذا لا نهتمّ عند استقبال الأعوامِ وترتيب أهدافها الجديدة أنْ نضعَ جانبًا وطنيّا صغيرًا جدًا؛ لنُحاول بهِ أنْ نزيلَ عن بلادنا عبئًا ضئيلًا من الأسى؟ لماذا نسجّل دائمًا تواريخ نجاحاتنا، ونرفعُ على جُدراننا شهاداتنا وصورنا السّعيدة، وننسى تعليق صور البيوت المهدومة، والنيران المشتعلة على مداخلِ البلدات، لماذ نُسكِتُ دائمًا مقاطع صراخِ الأمهات، ونتحاشى مُشاهدة أنينِ أطفال الأسرى، والشوقِ الذي يكوي مُهجة الأسيرات؟ من سيهتمُّ إنْ تخطينا نحنُ هذهِ التفاصيل التي تُحاولُ تذكيرنا بأنّنا لم نعرف السّلام يومًا، وبأنَّ سعادتنا لم تكتمل أبدًا على مدارِ السنوات. إنّنا نفقدُ كلّ عامٍ عددًا كبيرًا من الأحلام، وبيوتًا كثيرة تخيِّم عليها التعاسةَ بعدَ مداهمةٍ ظالمة تُيقظُ بفزعٍ أعمق النّيام، إنَّ موائدنا تنقصُ فردًا أو أفرادًا كلّ عام، أو نبيتُ ليالٍ عديدة ونحنُ نهدمُ بيوتًا بنيناها ببستان من الأمل بسبب سلاح عدوٍّ يهابُ حتّى من صُراخنا. متى سنعي أنّنا الأقوى وأنّنا أصحابُ الحقّ؟ متى سنقولُ هذا عامُ الإحتلال الأخير؟ متى ستدقُّ الثانية عشرةَ ونحنُ نستعدُّ للسجودِ بساحاتِ الأقصى؟ ألم تكفكم كلّ هذهِ السنون؟ ألم تملّوا من تفتيشِ نواياكم على الحواجزِ، وحجزِ الهويّاتِ لأتفهِ الأسباب؟ حقًا ألم تتخيّلوا يومًا كيفَ سيكونُ يومنا الأول بلا حدود وقيودٍ وبلا عساكرٍ يُغلقون المداخل والمخارج وحتّى الأنفاس؟! لن أقول لكم كلّ عامٍ وأنتم بخير! بل سأقولُ لكم كلّ عامٍ وفلسطين تحيا بأفئدتكم ويدفعكم حبّكم لها لمواجهةِ عشراتِ الرصاصات، كلّ عامٍ وأنتم أحرار، كلّ عامٍ وأنتم وترسمونَ طريق العودة، وتخططونَ للإنتصار.
إنَّ بحر عكّا يشتاقُ لكم وعبيرُ الميرميّة في يافا يُناديكم هلّا لبيتم نداءَهُ وآنستم شوقه؟

إقرأ أيضا:كيفية اداء مناسك الحج

بقلم: ابتهال فواز خليليّة
-الثلاثون من ديسمبر/٢٠٢٠

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
اترك أثراً ” بقلم روان عبدالله شناتوة
التالي
مجرد عد ” بقلم بشار عبدالله جديتاوي

اترك تعليقاً