مقالات ونصوص متنوعة

” الليلة باردة ” بقلم هداية عبد الرحيم الكحلوت.

الليلة باردة كالعادة، ليالي ديسمبر معروفة ببرودتها.
مساوئ أن تكون وحيد في مثل هذه الليالي.
لم أخبرك بأن الليالي ما عادت تثير خوفي، مضى وقت طويل منذ آخر مرة استيقظت فيها بقلب يرتجف من الخوف لآتي إليك مثل كائن صغير يختبئ خلفك من وحشية الليالي.
كنت أشعر بكلماتك مثل تهويدة تجعلني أذهب في سبات عميق.
أعتقد أني إعتدت على ظلمتها، أو أنني مللت من قول أني خائفة.
ورغم اعتيادي على الأمر، إلا أن هذه الليلة أشعر بالوحدة، الوحدة التي تنهش جسدي وروحي.
اعتقدت أن هلوساتي في منتصف الليل انتهت.
لكن الآن أرى أني مصابة بنوبة حزن ورغبة شديدة في البكاء، وكما تعلم فقد اعتدنا على كل أنواع الأذى، ف ما عاد شيء يبكينا.
كل ما استطعت فعله هو ارتداء كنزتي التي أضعها جانبي لمثل هذه الأوقات والمواقف.
خرجت من البيت لأسير بين الأزقة.
راودتني الكثير من الأفكار.
لتلك الدرجة التي توقفت فيها عن السير وقلت لو شخص ما رأى أفكاري الآن هل سيعتقد بأنها لشخص مجنون؟
أعني إني أفكر بالشيء واللاشيء.
لن استطيع أن أجعلك تفهم الآن، حتى أنا غير قادرة على فهمي.
لك مثال الآن خلال سيري في هذه الشوارع كما تعلم فالجميع نائم الآن لكني بقيت أفكر ترى هل في هذا البيت فتاة مستيقظة إلى الآن بسبب بكائها على خذلان ما، أم هذا البيت فيه شاب لم يذق طعم النوم بسبب خوفه من ضياع مستقبله.
أم أن هنا شخص مريض ولا يقدر على النوم بسبب ألم ما في جسده، وهنا هل يوجد أحد مستيقظ إلى الآن بسبب بكاءه على خطيئة ما ارتكبها، وهذا البيت أعتقد أنه خالي من الأطفال لا صوت يصدر منه في أي وقت، ترى هل الزوجان وحيدان للغاية لعدم حصولهما على طفل، هذا البيت فقد أحد أفراده الأسبوع الماضي، ترى كيف حال أهله الآن، هل خف ألمهم، هل استطاعوا النوم الليلة، الفقد مؤلم، ومذاقه مُر، مرارته تبقى عالقة في الحلق صدقني، لا تزول.
لكننا نجبر على الاستمرار.
أنا الآن لما أفكر بكل هذا؟ أقصد أنا لست مجبرة على التفكير بالجميع لكنني أعاني من كل ما ذكرت، أنا أعاني كثرة خيبتي بالأشياء.
هل تعي ماذا يعني أن تفقد شخص عزيز عليك للأبد؟
في الحقيقة كلنا نعاني من الفقد.
لكن منا من يستمر ومنا من يتوقف ومنا من يستسلم فوراً.
عند فقدانك لشيء عزيز عليك، ستشعر وكأنك اصبحت ناقصاً، وكأنك فقدت جزء من جسدك وروحك.
السعادة والحزن والمواقف التي ستتعرض لها فيما بعد، كلها ستكون ناقصة بنظرك.
حسناً
أنا لم أرد إجابة عن أي شيء باغت عقلي، عدت أدراجي.
صنعت كوب قهوة مُر، وجلست أمام مكتبي، هذا الذي كان شاهد على كل حكاياتي وأفكاري وكل ما قصصته، إنه الشيء الوحيد الذي يعرف أسراري.
فتحت دفتر مذكراتي وبدأت بسرد كل شيء راودني لليوم.
حتى أنني قررت الذهاب إلى ذلك البيت الذي فقد أحد أفراده قبل أسبوع.
واعدت ابنتهم على ذهابي في الصباح إليهم، وبالفعل ذهبت، لكن أول سؤال باغتني عند رؤيتهم هو كيف أن الكون لا يتوقف حقاً عند فقدان أحدهم، كيف كل شيء يستمر، كيف نعتاد نحن؟ حقاً.
هل نحن أقوياء لتلك الدرجة التي نمارس فيها حياتنا بشكل طبيعي أم ماذا؟!
لا أنكر أن الحزن واضح على ملامحهم، لا أنكر رائحة الفقد كيف تفوح في الأرجاء، لكن كل شخص يمارس حياته كما كانت من قبل.
أعتقد أن الفرق الوحيد أننا مجبرون الآن فقط.
ولو وضعت أمامنا فرصة التوقف أو الهروب لما أضعنا هكذا فرصة.
وكما قلت في البداية.
مساوئ أن يكون المرء في مثل هذه الليالي وحيد.

إقرأ أيضا:عبارات عن الخيانة

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
“لماذا تتركيني” بقلم محمد ليث كفرناوي
التالي
‘ عابرة المقهى ‘ بقلم إسراء محمد بني عطا

اترك تعليقاً