مقالات ونصوص متنوعة

نص نثري بقلم هبة سليمان الزيني

‎|أملي|

‎كيفَ لي بسردِ ذلك المشهد، سريرٌ مُحاطٌ بالأطباء وصغيرتي فوقهُ تحتضر.
‎في الساعة التاسعة صباحًا، رأيتُ وجهها الملائكي مبتسم بينما هي غارقةٌ في نومها المُعتاد، لامست يدايَ وجنتها وطبعتُ قبلةً على تفاحتي خدّيها، مغنّيةً لها أقبل حمامُ الصباح فهيّا يا أقحوانتي الجميلة، كررتُ ذلك لكنها في أحضان الملائكة مُستلقية، داعبتُ أطرافها لعلها تُنيرُ شمسَ الصباح، بدأتُ اعزفُ باسمِها أجمل الألحان، أمل حياتي، يكفيكِ دلعًا، معشوقةُ قلبي أفيقي وأريني تلكَ المجراتِ اللامعة، كانت هي تُحلقُ بعيدًا بينما كُنتُ أشتمُ تفاصيلها الصغيرة، لم تستجب لي، خرجتُ بِها مُسرعةً وصراخي يملأُ الأرجاء، جميعُ من حولي يتسائلون ماحلَ بِها، والبعضُ صامتون، صوتي لم يكفَ عن مُناداتِها، وشتائي لم يكُن لهُ نهاية، وصلتُ بها إلى ذاكَ المسلخِ اللعين، اختطفها الأطباء من بينِ ذراعيّ، لم أسمع بعدها سوى اصواتِ صراخ، احضر هذا وهذا وهذا!
‎حالةٌ من الفزع الشديد تُخيمُ على الأطباء، لم أهدء قط، بل كُنتُ فوقَ رؤوسهم، حاولوا منعي مِرارًا وتكرارًا ولم ينجحوا، صغيرتي لم يعد بها مكانٌ خاليٌ من الأجهزة، ترقدُ على ذاك السريرِ المزعج، ولاتُحركُ ساكنًا، استمر الوضع ساعاتٍ وساعات، لوقت مادقت ساعةُ الصفر.
‎الآن الساعة السادسة مساءًا، نادى الطبيب اين والداي الطفلة أمل، وإذ بنا نركضُ لغرفةِ الطبيب، اجلسا.
‎لقد رأيتم كل شيء عن كَثب لم نهدأ لثواني، لقد استدعينا المستشارين وقمنا بالتشاور والتحاور معًا، لقد كانَ الجميع في الصورة، لكن الصورة لم تكتمل، لم يتبقى شيئٌ بأيدينا، ابنتكم قد فارقت الحياة..
‎أصبح الحديثُ دمعاتٍ، خرجتُ مسرعةً لغرفةِ العناية المشددة، كانت زهرتي العطرية تحتلُ السريرَ الأول منَ الغرفة، اقتربتُ منها، قبلتها من رأسها لأخمصِ قدميها، وأنا أمسحُ بيديّ على خيوط شعرِها الحريري، قائلة: أملي قد استعجلتي الرحيل، كانَ أمامُنا الكثير، حَلُمتُ أن أروي لكِ القصص وأن أزفُكِ بالحرير، لكنَ القدرَ قد شاء وتبدلَ المصير، فهنيئًا عليكِ السلسبيل.

إقرأ أيضا:لحظة سكون/بقلم:فوزي رسمي محمد(مصر)”نصوص نثرية”

‎#هبة_الزيني

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم زينب عبدالحليم علي
التالي
خاطرة بقلم شهد السامرائي

اترك تعليقاً