مقالات ونصوص متنوعة

نص نثري بقلم إيمان عادل الكرغلي

« لا أحد يحب العزلة، أنا فقط أكره الخيبة »
كانت غامضة إلى حد بعيد إنطوائية جدا تجلس بمفردها تأكل بمفردها تقضي كل الدوام المدرسي في صحبت نفسها متميزة عن الجميع درجاتها تعلو درجات كل الطالبات
من الأولى؟
هي.
من المتميزة؟
هي.
من الأنظف؟
من الأكثر أدب؟
من ذا السلوك الحسن ؟
من الذي لا يعاقب؟
هي هي هي.
كانت أعلانا جميعنا رغم ذلك لم تكن سعيدة أنا متأكدة أنها غير سعيدة دائما ما كانت تلفت نظري طريقة جلستها المتواضعة حديثها المهزوز توترها الدائم هذا ما جعلها مضغة في أفواه الطالبات «عقدة/ نفسية/قفل/توحد …» كل هذا كان يطلق عليها كنت أشعر بالشفقة نحوها شيء ما في قلبي يشدني لها شيء ما في عقلي يركز دائما عليها
كثيرا ما تروي لي أفكاري أن أذهب و أحاول مجالستها توالت الأيام و أنا أحاول التقرب من هذا المخلوق المنعزل بمبالغة
يوم ألقي عليها تحية بشكل خاص يوم أفرط في الإبتسامات لها
أحاول مناغشتها
كنت أحاول كثيرا تطويل الحديث معها إلا أنها سرعان ما تختصرها
أتذكر أنني طلبت منها يوما أن تأتي لتجلس برفقتنا مع بقية الزميلات فرفضت بهزة من رأسها في خجل
أتت العطلة الصيفية و لن أنساها كانت كثيرا ما تطرأ على بالي حدثت عنها والدتي فدعت لها بالشفاء حدثت أختي فنصحتني بلإبتعاد عنها بينما بنت الجيران قالت لي أنها لغز علي حله جعلت مني تصرفاتها عالم كيميائي يترك الدنيا بأكملها و يركز في تجربته
في العام التالي كنا في الصف الثاني أدبي و كان أول يوم مدرسي فتدربت كثيرا على جملة
_ممكن نقعد معاك في درجك
و عندما قلت ذلك و قبلت العرض كدت أطير من الفرح وضعت حقيبتي معها و كأنني أضعها في الجنة أعلم جيدا أنها لا تتقبل وجودي ولربما لن تتقبله أعلم تماما أنها وافقت لأنني أحرجتها ولربما شخص مثلها يثق في نفسه أنه لن يخالط أحد حتى ولو جلس معه في نفس المقعد أقسم أنها ما كانت لتخالط أحد حتى ولو جلس معها في غرفة سنة كاملة لقضتها في صمت مر شهر كامل من دون أي تطور حتى جاء ذلك اليوم أعطتني ورقة أثناء الحصة و كتبت عليها من الخارج
«أفتحيها في المنزل »
كانت الحصة الأخيرة فاجئتني بهذا التصرف إلا أني سعدت حقا
كدت أن أفتح الرسالة في المدرسة ولكن خشيت أن تراني فلا تثق بي ثانية أثناء الطريق كل تفكري في الورقة و ما بها؟
شعرت أن الطريق قد طالت و المسافة من المدرسة لبيتنا تحولت من أمتار إلى هكتارات و ما إن وصلت لمنزلنا حتى دخلت غرفتي وفتحت الرسالة التي كتب بها:
«أنا لا أثق بأحد »
قررت أن أرد عليها بنفس الطريقة لعل هذه المراسلات تنتج شيء إيجابي في علاقتنا فكتبت لها
«لربما لا أحد يستحق الثقة لكن هل نفسك تستحق منك هذا السجن »
كنت أتمناها أن تحرر نفسها هذا كان هدفي في صداقتها أتمنى أن تحرر شخصيتها خارج جسدها
أستمرت سنة كاملة و علاقتنا على ما هي عليه تكتب لي و تضع رسائلها داخل الكتب المدرسية فأكتب لها و أضع ما كتبت في كتبها
أشتهرت صداقتنا الصامتة
بين الطالبات و المعلمين و عند الإدارة حذرني منها البعض و تحدثن معي بعض المعلمات يستفسرن مني ماذا تكتب لي كما ظن البعض أنها مجنونة
صرت أدافع عنها بإستماته أصبحت أحبها و متأكدة أنها تحبني كانت أختي التي لم تنجبها أمي أشتاق لها أكتب لها عن تفاصيل يومي تكتب لي ماذا تشعر أستغنيت عن خاصية الحديث لطالما الصمت معها ممتع و عميق
قبل مجيئ العطلة الصيفية طلبت منها عنوان منزلهم لأنني حتما سأشتاقها في هذه الشهور الطويلة و بالفعل بدأت العطلة و صرت أذهب لها كم كانوا أهلها فرحين بذلك
دمعة عينا أمها عندما فتحت لي الباب أول مرة و أخبرتها أنني صديقة أبنتها و رأتها تقبل علي بالأحضان و دمعت أنا أيضا حين صارت تخاطبني سمعت صوتها و تحدثنا كثيرا صرنا صديقات كالبقية نتحدث لبعضنا و نتهاتف عدا عن بعض الرسائل لقناعتنا أن رائحة الورق ستخلد الكلام
تعاهدنا ركعتان بعد العشاء و قراءة ورد يومي كل يوم
صرت كل يوم أملي على رأسها بأن البشر ليسوا أشرار وأنها من الممكن أن تعاملهم كما تعاملني و تعامل أهلها واعدتني بالمحاولة بدأت السنة المدرسية الأخيرة بالنسبة لنا كان الثالث أدبي سنة صعبة لكنها تحمل في أيامها جمال و متعة مواقف و أحلام عند تخرجنا من السنة كانت هي الأفضل كعادتها كان بإستطاعتها الدراسة بالخارج رفضت فقط من أجل بقائها معي دخلنا المرحلة الجامعية كنت فرحة جدا بها عامان من الصداقة و كل يوم نتقرب أكثر

إقرأ أيضا:نصف الم،بقلم:سارة طوباسي.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلما منى اليازوري و مروة أبو الوفاء
التالي
نص نثري بقلم ريم يوسف الشايب

اترك تعليقاً