مقالات ونصوص متنوعة

خاطرة عن (في غياهِب الشوق)، بقلم: نور أمجد ابو مياله

في غياهِب الشوق

مركبةٌ تسير وأخرى تقف، وأنا أنظر إلى كلاهما وأراقب مركبتنا في حديقتنا المُستتِرة، علّك تأتي فيها حاملاً بيّدك باقةً من زهورِ التُوليب..

 

أجلس في كلِّ صباحٍ خلف نافذتنا المُفضلة، المُمتلئة بالورود الجورية وشَذَا عِطرها، أراقب المارين، أسمع صوت بائع الكعك، وأرى الأولاد وهم يتَّرجلون إلى مدارسهم، والأمهات وهُن يودعون أطفالهم، والأباء حين يقصدون أعمالهم، وذلك الرجل المُسن الذي يجلس على كُرسيه المُتحرك وينتظر شفقة أحدهم ليطعمه أو يسقيه، وبائع الخضروات، وبائعة الألبان والأجبان، وصوت النايّ الذي يجوب في مسامعنا منذ السابعة صباحًا..

أرمق مقعدنا الذي اعتدنا الجلوس عليه بكلّ حزن، لقد صارَ مهترئًا، بالٍ، لا قيمة له بعد هجرانك، أوراق زهرة التُوليب حوله جافة، قاسية، بعد أن كانت مَصقُولة ورطبة، كُنت أنتَ سَنَا هذا الحيّ الصغير، بشوارعه وأبوابه ونوافذه، بدكاكينه وجباله وأشجاره، بعدكَ باتَ الحيّ كالدُجى في سوادِه..

ما بين شارعٍ وآخر ألمح ظِلاًّ زائف كأنَّه ظلكَ أنت، وأتذكر أنّك لن تعود، فكيف يعود ظلك دونك يا مَن كُنت تتلألأ كالنُور في حيِّنا…

أجلس تحت شجرة ياسميننا وأمكث بالساعات، كُنا نَنظم الشعر هُنا، ونكتبه بأقلام الريشة..

عادةً عندما كُنا ننتهي من الكتابة، كنت تغني لي أغنية “زيّ الهوا يا حبيبي للفنان عبد الحليم حافظ” وتضع وردة الياسمين على غُرَّةِ شعري، وتهمس لي بجملةٍ لطالما أحببتها “تدَللي يا حُلوتي”.

إقرأ أيضا:كان وجهك، بقلم : عبد الجبار يحيى حسون، “نصوص نثرية”

 

حُلوتك الآن تهضم الشوق في قلبها كيّ لا يخرج ويُفصح لأحد، كلّ أبناء الحيّ يبكون لفراقك، كلّ الأزقة تهترئ، وكل الجدران فقدت قدرتها بالإتكاء على بعضها البعض، لكنني أخبئ ما أحمله اتجاهك خوفًا من أن يقولوا حُلوته حزينة، ويخيب ظنك بي وبقوتي!

ها أنا يا حبيبي اعتاد على أن أكون من صنعتها أنت وتركتها تجابه لوحدها في غاباتٍ تملؤها الذئاب الشرسة، أخبئك وأحملك بسرّك معي أينما حللت وارتحلت

أقضم الأيام بشراسة وأرفض كَوني قطة شقيّة تركض في الفراغ، الآن يجب عليّ أن أكون هكذا، وألاّ أندفع مرةً أخرى…

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
واقعٌ مرير، بقلم: جودي أحمد كيلاني
التالي
يَزْدَاد حَنين خافِقِي، بقلم: آلاء خليل الدغيمات 

اترك تعليقاً