مقالات ونصوص متنوعة

الوراقة، بقلم: أمل عبدالله العزام

كانت منشغلةً إلى وقتٍ قريبٍ بإعدادِ طبقٍ شهيٍّ من الكلمات، تضعُ فيه بعضاً من تجاربها الخاصةِ، وحكايات الأصدقاء،تضيفُ إليه شيئا من الأساطير، والكثير من دهائها اللغوي.

كانت تشتاطُ غضبًا كلما أخفقت بجعلِ ذلك الطّبقِ مستساغًا لها، كونها الزبونُ الوحيدُ الحاضرُ على طاولة المفردات.

فهي متذوقةٌ ماكرةٌ بالفطرة، جعلَ منها ذلك الأمرُ ورّاقةً غريبةَ الأطوار، تمزجُ الفلسفةَ بالمنطقِ، والحبَّ بالفقدِ، والأملَ بالحنين، لتصنعَ منها شيئاً غريبًا مميزًا.

هي لا تريدهُ طبقَ مقبّلاتٍ أو تحليه، إنما طبقاً رئيسيًّا دسماً مشبعاً حتى الإمتلاءِ، لدرجةٍ يصعُب على المرءِ بعدهُ تذوُّقُ شيئٍ آخر.

في أبسط الحالاتِ قد يدوم الأمر لساعاتٍ معدودة ٍ، وربما لأيامٍ كثيرةٍ، لا أحدَ يستطيعُ التنبُؤَ حالَ وقوعهِ بغرامِ ذلك الطَّبقِ الملوّنِ بإتقانٍ كطاووسٍ مغرور.

لم تعتد صديقتنا الورّاقةُ أن تكون نسخةً مكررةً، انعكاسَ صورة، أو ظلاً خفيًا، لطالما كانت تقاتلُ بشراسةٍ، تتصدى لهجماتِ الإحباطِ بالكثير من التِّأمُّلْ.

إنّه صديقها المخلص، الذي طالما أفرغت جيوبها الممتلئةَ بالخيباتِ في محفظته الواسعه، كأنَّهُ حسابٌ بنكيٌ تودعُ فيه جميعَ تفاصيلها، إلى حينِ ارتفاعِ منسوبِ الإدراكِ والمعرفةِ لديها.

لتعلم لاحقاً أنّ ما أودعتهُ في محفظةِ التّأمُّلِ أصبح كنزًا عظيمًا لا يقدّرُ بثمن. هو لن ينتشلها فقط من فقرِ أمنيانها، وعتمة ليلها، بل سيفتح لها نافذةً سحريّةً الى مبتغاها العظيم.

إقرأ أيضا:استبقي بقاياها، بقلم: إبراهيم مصطفى محيميد “نصوص نثرية”

لم تشك الورّاقه يومًا بمصداقية التِّأمُلْ، فلطالما عملَ جاهدًا على تهذيبِ فطرتها المزاجية.

جعلها توقنُ بما آمنتْ به منذُ البدايات، أعطاها فرصةً ذهبيةً لتدخلَ أرضَ العجائب، تقطفُ منها زهرةً تشبهها تمامًا، لا تذبلُ ولا تموتُ إلا حينَ ينتهي أجلها.

هكذا هي الأحلامُ في أرضِ العجائب، فائقةُ الجمال، عصيّةُ المنال، شديدةُ اللّمعان، لا يفوزُ بها أحدٌ إلا وقد خاضَ حربًا ضروسًا كان فيها أعزلًا من كلّ سلاحٍ

سوى الإيمانِ المطلق، بأنه لم يأتِ إلى هذه الحياة ليخرجَ منها خاليَ الوفاض، عديمَ الأثر.

نعم؛ إنّه الأثر، ما يجعلُكَ تتوغّلُ في دراسةِ علمِ المنطقِ وشواهدِ الفلسفه، تعبرُ بحورَ الشعِّ ر وترسو على خليجِ المغامرة، تذهبُ في نزهةٍ سيرًا على الأقدامِ لِتتفحَّصَ غابةً عظيمةً من الروايات.

 

كي تصنعَ أثراً؛ لابدّ لك أن تقتفي واحدًا يشبهك، تجدُ في ملاحقتهِ متعةَ طفلٍ يريدُ الإمساكَ بواحدةٍ من الفراشاتِ المضيئةِ في حلمٍ سرمديّ، يحلّقُ فيه عاليًا بين النجوم،

وينتهي به المطاف بطلًا لقصةٍ حقيقيةٍ، لتجربةٍ واقعيةٍ يأتي في إثرها كثيرون، ممن يبحثون عن ملهمٍ حقيقيٍّ،

يأخذُ بيدهم إلى النور.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
أَضحيت، بقلم: روان خالد الفاضل
التالي
لعنة أغسطسية، بقلم: أمل علي القرعان

اترك تعليقاً