مقالات ونصوص متنوعة

العابِرة ، بقلم:حنين أبو صبيح “قصة قصيرة”

 

.. كان كاتبًا منشغلًا طيلة الوقت بمداعبة الحروف بين يديه،وأصابعهِ كلّ خمس دقائق تحتضنُ السيجارة، وتنثر رمادها بوجه الحاسوب،غادرتْ زوجته البيت إلى مشقة العمل كعادتها، بقي وحيدًا بين أربعة جدارن، ومكتب وفنجان قهوة بارد ، كلّ ربع ساعة يقومُ بتجديده، وبينما كان في المطبخ يصنع فنجان قهوة، طٌرِق البابُ، فإذ امرأة مذهلة وكأنّها نزلتْ من السّماء الآن، ترتدي فستانًا قصيرًا ، وشعرها الأشقر منسدل بين كتفيها، عيناها كالمها ، قامتها كقصب السّكر، رمتِ التحية ودخلت، وكأنّها تعرفني منذ ألف سنة ،
قالت بصوتٍ أنعم من الحرير: الكاتب العظيم، ملهمي الأوّل، صديقي الأقرب، صاحب الحرف الصاخب، والروايات الأكثر شهرة، أسهبت في السّرد عنّي برويّة، وصارت تحكي نصوصًا كتبتها منذ زمن، وتبدي إعجابها بكامل تفاصيلي، كانت امرأة غريبة وتصرفاتها أغرب، وبكلّ ما أوتيت من كلمات وحروف ونصوص ككاتب لكنّي وقفتُ أميّا أمامها، لم أفهم مَن هي؟ ولا ماذا تريد؟ وراق لي جنونها، جلستْ على الأريكة كأميرة على العرش، وعندما تمادتْ بثرثرتها، طلبتُ منها الرّحيل، ومغادرة منزلي، لكنّها أصرّت على البقاء ، والنظر إلى زوايا البيت بحرفيّة مطلقة، وكأنّها تنظر إلى تحفة فنيّة في معرض ما ، أعجبني شغفها بالمكان ، بوصفها له ، جلست على مكتبي، وعبثت بحاسوبي، وقالت: أنتظرُ روايتك القادمة بـــ حبٍّ، وقبّلتْ باطن كفي وغادرتْ، طارت كالنّسر، بجناحين عابرين،
وبعد سويعات عادت زوجتي، أيقظتني بعد أن كنت متكئ على مكتبي والتعب يقتحمُ ملامحي، وضعتْ فنجان القهوة على المنضدة،وبدأت تتحدت عن تفاصيل يومها، لكنّي كنتُ مع تلك العابرة،شاردًا أفكر،
وفي منتصف شرودي الذي قاطعته زوجتي ، سألتني: ما بك؟
أخبرتها بأنّ هناك امرأة زارتني بالحلم، وكانت غريبة الأطوار، كاملة الحضور، جميلة حدّ الجذب، تشبه الغجريات، دقيقة الملاحظة، أنثى لا تشوبها شائبة،
بدتْ ملامح الانزعاج واضحة عليها ، لم تظهر كامل غيرتها ، ولكنّي ككاتب أفهم أيّ امرأة تمرّ بي أو من خلالي، فكيف هي؟
قالت مظهرة عدم الاكتراث: لكن لا بدّ أنّك لمحتَ تلك المرأة بمطرح ما، فالعقل البشري لا يصّور مخلوقًا من الفضاء، دون أن يكون مرّ عليه بلحظة ما، ولو قبل قرن ،
أقسمتُ بأنّي لم أراها من قبل ، إلى أن طٌرقُ الباب مرّة أخرى، وكانت هي…

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم الآء عبد الجبار كايد

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
قبرُ الأمنيات، بقلم: سندس حماد”خاطرة”
التالي
صِراعٌ أزلِيّ ،بقلم: رنا سلايمه”خاطرة”

اترك تعليقاً