مقالات ونصوص متنوعة

دُعاءٌ وثقة بقلم: أروى خضر البخاري” قصة قصيرة “

مرحباً أنا دُعاءْ ، أدعُوا في همساتِ الّيلِ حنيناً وشوقاً وأنا على ثِقةٍ من أن ربِ سيبدُلُني مكان الظلّامِ نوراً ومكانَ الشّوكِ وروداَ . 
ولدّتُ من رحمِ المرضِ ووُلِدَ المرضُ منيِ 
فشلتُ في إختبارِ أمَلِي ولوعةِ حُزْنِي 
أتهَامَسُ مع نفسِي لأَجِدَ نفسي غارقةً في بحْرٍ ليس فيهِ سمكٌ ولا ماء! 
إنّه بحرُ الأوهامِ حيثُ تختبئْ الخيباتْ وهناكْ نعقدُ إتفاقاً مع اليأْس 
خرجتُ من منزلِي وانتقلتُ لساحةِ المعركةِ حيثُ لا فوزَ إلاّ للأقوى! 
جدرانٌ بيضاء تلطختْ بصوتِ شجنِ النّفُوسِ ، هدوءٌ يسبقُ عاصفةً هوجاءْ تهزُّ أركانَ النُّفوسِ فتذرُهاَ خاويةً لا تبتغِي سِوى الفكاكَ ولكنّ لا مفرّ من المسيرِ في الدّرُوب الشائكَةِ لكَي تنعَمَ بحلاوةِ الورودِ 
تنعّمتُ في الهدُوءِ حتّى تقهقرت مشاعرِي وتشابكتْ أعصابِي وظننتُ أن النهايةَ هُنا في هذه الزاوية على هذا السّريرٍ 
الأيّامُ كأنّها الأخواتُ في التّشابهِ والليالِي لا ضوءَ فِيهاَ ولا أمل أطْفِئتْ كُلُّ المصابيحِ بما فِبها مصباحُ قلبِي 
بينما استغرقَ الجميعُ في النومِ كان قلبي يُصْدِرُ ضجيجاً كأنّ أحدهُم يسيرُ على زُجاجهِ المُتحطّمْ 
كان عقْلي نائِماً لكن أبتْ عينَاي إلاّ أن تظَلّا مُشرّعتينَ لإرتشافِ كأسٍ أخرى من ظلامِ الّيلِ المُوحش 
بزغَ الفجْرُ مع صوتِ أنينِ قلبِي وصُراغِ نفسِي كانت مشاعري ممزوجةً بين الأسى والأمل ؛ شعرتُ بشعُور المُحاربِ آنذاكَ نحنُ الجيشُ ندحرُ العدوّ ونهلكهُ بثقتنِا بالله 
كيفَما سرِنا ودخلْنا سنخرجُ ونعيش بإذن ربّنا 
مرّت تلك الليلة خلافَ أخواتِهاَ 
بزغَ الفجرُ مع دخُول الطبيب والممُرضة، كانتْ تلك اللحظات عصيبةً 
كان الطبيبُ باسِم الثّغْر لكنّ الأوراقْ المبعثرةَ بين يديهِ تصدَحْ بكُل ما هو مختبئْ داخِل تِلك الإبتسامة 
جلس على السريرِ وحاولَ أَنْ يَلْفِتَ نظَرِي عَنْ ما أصاَبنِي ، لكنّي فتاةٌ مختلفةٌ أناَ أعْلمْ ما أصَابَ نفْسِي وماذاَ سكَنَ أحْشائِي 
تنهدتُ بإرتياحْ وأخبرتُ الطبيبَ بكُلّ ما خطرَ فِي بالي وقْتهاَ ، كانَ الطبيبُ مُندهِشاً لأبْعدِ الحدودِ كانَ يظُنُ أني لستُ سِوى طفلةٍ تلعبُ بالدُّمى لكنّي علمتُ الكثيرَ عنْ نفسِي وعنْ ساكِنِهاَ .
كانتْ أول جلسةٍ علاج أصعبَ اللحظاتِ في حياتِي وددتُ حينَهاَ أنْ أصرُخ لِكَي أُنَادِي أمّي أو أنْ أرْتَمِي في حُضْنِ أبِي الدافئْ لكن لم يحتضِنّي أحدْ إلا سائِل يسْري كالكهرباءِ في عُروقِي 
انتهتْ جلسةُ العلاجِ كانتْ مشاعِري حينَها مشَاعِلَ أمل وثقة في الله زهَتْ وتبرعمَتْ في خَاطِري 
مضتْ الأيّامُ الأُولى والتّي تلِيهَا على بَريقِ أمْل ولمعانٍ حياة 
كانتْ جلساتُ العلاجِ كانّها السيوفُ في حِدّتٍها كان كُل جسدي يرتعشْ آنذاكَ كانتْ أسنانِي تصْطكُ ببعضِهاَ مُعلنةً الحربَ بلا شكْ 
ماتتْ كُلُّ الزُّهورِ في البُسْتاَنٍ ، كُلّ الحياةٍ اندثرتْ ويفصلُنا عن الحياةِ بصيصُ أمَل في النّجاةٍ 
بدَأَتْ الحياةُ في التَصَّحُرِ ، كل من كانَ يبعثُ النُّور أُطْفِأ وانتهى هكذا بلمحٍ البصرِ 
في آخر يوم في المشفى كان ساكِنِي قدْ أستولَى على أحشائِي بالكامِل لقد كتتُ أشعرُ بهِ إذ ْ كانً يُسْكِتُ جوعهُ بقطعةٍ منّي 
أنا لا أشعرُ بالأرضِ حوليِ كُلُّ شئ يهتزُّ بماَ في ذلك مشاعِري هل سينتهي كُلّ شئ هُنا أم أن قصة جديدة ستُولد ؟ 
كُنتُ أرى في رِفَاقِي مشاعِل الأمَل لكنّها أطْفِئتْ وصارتْ يباباً لا يُرتجَى منْهُ شئٌ 
بقتْ زهرة واحدة في الحديقة يتعاقبُ عليها الأطِباَءُ كتعاَقُبِ فصولِ السّنةِ لكنَّ الفصلَ السائدَ هُنا هو الشتّاءُ القارصُ 
أبرزتْ التحاليلُ عن آخر ما تبقى منّي فقد تكاثرَ المرضُ حتّى انتشر ووصل إلى عظْمِ قلبِي 
تمنيتُ أن أرتمِي في حضن أحدهِمْ وأذرف الدّمُوع بشدّةٍ لكنّي مسحتُ دمعة عيني بيدِي 
لا أحد يعلم ماهِي النّهاية إلا من خلقني و هو أعلم بحالي ووجعِي هو الطبيبُ الذّي يشفْي جراحَ قلُوبِناَ ونحنُ نسألهُ في كُلّ وقتٍ وحينٍ 
في اليومِ الأخير في المشفى كنتُ أشعرُ بنشاط على غير العادة أستطعت النهوض من السرير والتحدّث مع الممرضةِ ، قرر الطبيبُ إجراء الفحصِ الأخير وعندما ظهرتْ النتائج فتح فاهُ على حدّه ووجهه أشرق وثغرهُ عاد مبتسِماً وجعل يكبرْ وأنا لم أفهم شيئاً مُطلقاً 
همسَ في أُذُنِي عن نتائج تلك التحاليل مجتمعةً ابتسمتُ ولفرحْتِي سجدْتُ شُكراً لخالِقِي لكنّي نسيتُ أن الأناَبيبَ لا زالتْ متصِلةً بِي فعمّتْ الفوضى 
لقد دُحر العدو وغادر أرض المعركةِ منهزِماً مذلُولاً 
غادرَ بعد أن سكَن أحشائِي وسرقَ من ضُلوعِي قُوّتهاَ ، كانتْ معركةً محتدِمةً خرجَ منها جُندِيٌّ واحدْ أما البقيةُ فقدْ توفّاهمُ اللهُ بعد صِراعٍ طويل 
أما بعد مُدّةٍ فقد عادتْ جدائِلي تُزيّنُ شعري وصرتُ ألعبُ مع الأطفالِ . 
أما الآن يا مُذّكرتِي فأنا دُعاء إخصائية متخصصةٌ في قسمِ الأورامِ ألوجُ في الممراتِ بحثاً عن جنودٍ جدد لمعركة جديدة

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
غربة الأرواح بقلم::مريم نعمي”نص نثري”
التالي
لكنها الحياة بقلم: لوريس فارس المغربي “خاطرة”

اترك تعليقاً