مقالات ونصوص متنوعة

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

#طبائع_الاستبداد_ومصارع_الاستعباد8 ?

 

جرثومة الداء الجهل المطلق، وأضر فروع الجهل: الجهل في الدين.

 

لقد حاول الكثيرون توعية الأمة العربية وقد يتساءل البعض باستنكار لماذا لم يتطور العرب فكرياً وعلمياً في الوقت الحاضر على الرغم من تطور الغرب، الذي كانت معظم تطوراته مشتقه من العرب والمسلمين، حيث ما زال هناك اعتراف من بعض العلماء الغربيين المنصفين في الوقت الحاضر بفضل الحضارة الإسلامية على حضارتهم، لكن وللأسف بدأت تنعكس الآية فيما بعد!

 

حيث بينما الغرب كان يتطور وينهض به العلماء الغربيين أكثر وأكثر ما بعد القرن الخامس والسادس عشر، بدأت صراعاتنا نحن العرب وبدأنا ننحدر من أعلى سلم التقدم العلمي، والوعي، والاستقرار إلى أسفله…ومنه بدأنا نبحث عن الاستقلال بسبب الانتدابات المحتلة لأوطاننا…وظهرَ لدينا الثوريين مثل جمال الدين الأفغاني، رشيد رضا، وغيرهم…

بالإضافة لعبدالرحمن الكواكبي الذي ألهمني لكتابة هذا النص عن الاستبداد، ومن ثم ظهر الذين يريدون لنا الاستقلال الذاتي…أمثال علي الوردي والشريعتي.

ومن مجددين دين الربّ مثل محمد عبده -رحمهم الربّ جميعاً-.

 

وهكذا فاقتنا بعض الأمم في العلوم والفنون المنورة للمدارك، حزبت قوتها فنشرت نفوذها على أكثر البلاد والعباد من مسلمين وغيرهم، ولَم يزل المسلمون في سُباتهم إلى أن استولى الشّلَل على كل أطراف جسم المملكة الإسلامية!

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم سارة حسن داوود

 

ولكن ما سبب السبات الذي يَصْب في مجتمعاتنا الْيَوْمَ وحالة الفتور التي خيمت على العالم العربي والإسلامي؟

 

إنه الاستبداد الذي خرب البلاد والاستعباد الذي أهلك العباد؛ إن الاستبداد داء أشد وطأة من الوباء، أكثر هولاً من الحريق، أعظم تخريباً من السيل، فإن الذي سمح لهذه المصيبة أن تتحكم في الأمة هو الغوص في غياهب الجهل عامةً والجهل في الدين بشكلٍ أدق.

 

فهذا النوع من الجهل يفسد الأخلاق التي يتكون منها الإنسان والذي هو جزءٌ من المجتمع، والاستبداد الذي هو تعسف، تسلط، تحكم، ظلم، فرض الإرادة من دون مبرر. فالمستبد يفعل ما يشاء غير مسؤول ويحكم بما يقضي به هواه؛ بذلك يظلم الإنسان فيجعله يكفر بنِعم مولاه، لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده عليها حق الحمد.

 

كما أنّ تجرأ وعاظ السلاطين بقلب الحقائق ودعم الاستبداد بأنهم مكنوا بعض القياصرة والملوك التلاعب بالأديان تأييداً لاستبدادهم فاتبعهم الناس، بتفسير النصوص لمصالحهم، والتلاعب بمصطلاحاتٍ رنانة، فقبل الناس بالاستبداد وما ساقهم إليه من اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مُطيع، والمشتكي المظلوم مفسد، والنبيه المُدقق مُلحد، والخامل المسكين صالح أمين!

 

واتبع الناس الاستبداد في تسميته النصح فضولاً، والغيرة عداوةً والشهامة عتواً والحمية حماقة، والرحمة مرضاً، كما اعتبروا أن النفاق سياسة، والدناءة لُطق، والنذالة دماثة…

إقرأ أيضا:رسم بقلم :بُشرى إدريس

 

فبهذا تمكن الاستبداد من إفساد الأخلاق و فقد الإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر، فعلم الناس النفاق وقلب الحقائق وتزويرها، واعتاد الناس على هذا، وأصبحوا خائفين من تغيير المَسار.

 

فغدا الشخص منا أسير الاستبداد كالحيوان يُقاد حيث يريد الملوك، ويعيش كالريش يهب حيث تهب الريح، لا نظام ولا إرادة!

وما هي الإرادة؟ هي أُم الأخلاق وقيل فيها تعظيماً لشأنها ” لو جازت عبادة غير الله لاختار العقلاء عبادة الإرادة “.

 

فعند فقدان الإرادة و اتباع ما يريد المستبد ومن خلال وعاظ السلاطين الذين لَقنوا الشعب أن الغيبة والنميمة مُحرمةٌ وكم هجوا لهم ذلك بلا قيد وأن لا يجهروا في البلاء والمظالم، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح، فهم يقرؤون { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} ويغفلون بقية الآية، وهي { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ }، فبدأ الناس يرددون عبارة “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب” ولكن السكوت عن ماذا؟ عن الظلم والظالمين !

 

فيصل تسفل إدراك الناس بمجرد رؤية آثار الأبهة والعظمة التي يرونها على المستبِّد الظالم وأعوانه، ومجرد سماع ألفاظ التفخيم في وصفه وحكايات قوته، فيرون ويفكرون أن الدواء في الداء، فيُحاولون تشكيل أنفسهم على شاكلته فينصاعون كانصياع الغنم بين يدي المستبد حيث تجري على قدميها جاهدة إلى مقر حتفها.

إقرأ أيضا:

 

وقد سَلك الأنبياء عليهم السلام، في إنقاذ الأمم من الاستبداد وفساد الأخلاق مسلك يبدأ أولاً “بفكِّ العقول من تعظيم غير الله والإذعان لسواه ” ثم بعد إطلاق زمام العقول صاروا ينظرون إلى الإنسان بأنَّه مكلف بقانون الإنسانية، ومطالب بحسن الأخلاق.

 

أن هذه المقالة إنما تنويه لمورِد الداء الدفين، عسى أن يعرف الذين قضوا نَحبَهم، أنهم هم المتسببون لما حلَّ بهم، فلا يعتبون على الأغيار والأقدار، وإنما يعتبون على الجهل وفقد الهِمَم والتواكل…وعسى الذين فيهم بقية رَمق من الحياة أن يستدركوا شأنهم قبل الممات.

 

رحم الربّ الكواكبي وأدام العقل علينا وعلى قوة إرادتنا.

 

‏#MalekoT⚜️ ( مالك الجرّاح)

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
المقاتل التعليمية
التالي
الأنثى وطن والوطن لا يُخان

اترك تعليقاً