مقالات ونصوص متنوعة

نص نثري بقلم سارة حسن داوود

“تضحيات الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم”

إلى رسول الله مُحمّدٍِ بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه :
السّلامُ عليك، أمّا بعد:
كان العالم قبلك يغرقُ في ظلمات الوثنيّة، يسجدون لأصنامٍ يصنعونها بأيديهم وإذا جاعوا يأكلونها . تائهين في البعيد، غافلين عن ملّة أبينا إبراهيم “الحنيفية” إلا من قلّةٍ من العرب و الموحدين من أهل الكتاب، حتى بُعثت.
عرفوك أهل مكّة بالصادق الأمين، لم تعبد صنماً من دون الله، ورفضت نفسك الطاهرة السجود لصنم، فعكفت في غارٍ لتتأمل هذا الكون ولتسأل الخالق سبحانه أن يرشدك لطريقة تعبده بها. في إحدى الليالي المظلمة سمعتَ صوتاً يُناديك باسمك، فكان جبريل، فكانت الكلمة الأولى في الرسالة “اقرأ”، ثمّ تتابعت الكلمات وفي كل كلمةٍ تُزاحُ ظلمة ويأتي نورٌ من أنوار الله.
آمن بك أولاً أربعةً من البشر، ثمّ تبعوك قلةٌ أخرى من الرجال، ذقت من البلاءات ألواناً شتى؛ فبدأت عمرك بالاعتياد على الفقد، يتيماً يعيش بين أبناء عمه أبو طالب، ثمّ عاداك أبناء قومك واذوك إيذاءً شديداً، من شتمٍ وتهديد وضغط وتنكيل وتآمر، ومحاولات لطمس صوت الرسالة، حتى وصلوا إلى محاولة قتلك، ثمّ كنت صامداً ، عزيمتك كالجبال الراسية، لا يُثنيك شيئاً، تردد أنني مستمرٌ حتى يُظهر الله الإسلام أو تموت دونه.
فقاطعوك وقبيلتك، فلجأتم لشُعب أبي طالب، ثلاثُ سنوات من الجوع، حتى وضعت الحجارة على بطنك، كثيرٌ من المعاناة ذقت، وأوقات طويلة ضاق صدرك بقولهم، كُذبتٓ وتقوّلوا عليك، وطُلِّقت ابنتيك، وما انحنت منك العزائم.
تركت موطنك الذي تُحب مُجبراً، إلى يثرب التي أصبحت المدينة المنورة بعد قدومك، ذقت من الجوع أزماناً طويلة والمهاجرين معك، تآمرت القبائل ضدكم واليهود، ثمّ عادوا خائبين منهزمين بعد أن أيدك الله بجنود لم يروها.
في أُحد، حين قام أحد الكفار الحاقدين بحفر حفرة ووقعت فيها، ثمّ أمسك سيفه وضرب به خوذتك حتى أمتلأ وجهك الشريف بالدم وجُرِح جروحاً بليغة وتكسّرت أسنانك، وتألّم ظهرك، بعد ذلك رفعت يديك للسماء ودعوت لهم بالهداية والمغفرة، أيُّ قلب رحيم تملك؟
هذا السوء كلّه لم يغير من طباعك الجميلة شيئاً ولا أنقص من صفاتك الحميدة ولا اهتز حلْمك، بل قلت عند فتح مكّة لقومك
” اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
في حجة الوداع، قلت أكثر الكلمات تأثيراً على مدى الزمان، فكانت أول خطبة أقررت فيها مبادئ حقوق الإنسان،
“أما بعد أيها الناس إنّ الشيطان قد يئس أن يُعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم”، ثمّ قلت ” أيها الناس إنّ ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم” فبهذه الكلمات ودعتنا، وعلى المحجّة الواضحة تركتنا، ثمّ ضربت لنا موعداً عند الحوض فلعلنا نلقاك هناك ونشرب شربة من يدك لا نظمأ بعدها أبداً.
في مرضك الأخير، بينما كان أبو بكر يصلي بالناس، رفعت الستارة ونظرت مطوّلاً إلى المسجد، تأملّت جموع المصلّين فتبسّمت، ثمّ فاضت روحك الشريفة وهي تُنادي “بل الرفيق الأعلى” فما فقدنا بعدك مثلك أحد.
اليوم نحنُ أتباعك الذين ما إن ذُكر اسمك حتى شعرنا بالدفءِ يسري في قلوبنا، وكأن حبك صار في شرايينا دماً، مهما قدمنا من تضحيات لأجلك فإنها لا تعادل جزءاً ضئيلاً من تضحياتك الجسام التي خضتها لأجل أن ننجو ونكون على الدين الصحيح،فلن يؤذوك يا رسول الله وفينا عروق تنبض، فديناك بأرواحنا، والسلام.

إقرأ أيضا:ما هو النمل الابيض

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
مقالة بائعة الفؤاد (جحود) بقلم أسماء شعبان سالم
التالي
قَضيتِي الخاسرة بقلم آلاء مشهور زريقات

اترك تعليقاً