خاطرة

فاجعة، بقلم : خديجة حشري

لازالت تلكَ الفتاةُ الصغيرةُ تُتمتمُ بالقرآن وَتهذي بِهِ وهي بين الصاحيةِ والغائبةِ عن الوعي بعدَ أنْ أُخرِجَت منْ بينِ الأنقاضِ والحجارةِ المهدمة ونجت مِنَ الموت، كُلُّ مابِوسعِها أنْ تذكُرهُ أنها كانتْ واقفة على شُرفةِ غُرْفَتِهَا في الطابقِ الخامس تتأملُ مظهرَ الربيعِ الجميل والأزهارَ المُفَتّحة، لِتَفْتَحَ عينيها وترى نفسها في المُستشفى، ليسَ بحوزَتِهَا إلا قليلٌ من الذكريات، كانتْ تنتظرُ وجبةَ الغداءِ الشهية، كانَ طعامَها المفضل لم تُدرك أنَّ أُمها تطهي لها أَلَذَّ طعامٍ في أَتعَسِ يوم، رائحةُ المُعطرِ الذي تضعهُ أُمها في أرجاءِ المنزل بعدَ التنظيف لازالَ عالِقاً في أنْفِها هذا جُلُّ ما تذكُرُه، لتعود إلى وعيها بِكَلِماتٍ مُتَثاقلةٍ ودوارٌ في رأسها وغثيان في أمعائِها، حَاولتْ استجماع أكبرَ قَدرٍ من طاقَتِها وقواها، بدأتْ تسألُ نفسَها
أينَ رائِحَةُ المُعَطر؟
أينَ شُرْفَةُ المنزل؟
أينَ أُصَصُ الورد؟
أينَ زهرتي المُفضلة؟
وَتَكثُر التساؤلات في رأسها وتَتشعب
أينَ طعامي المفضل؟
ألمْ تنتهي أُمي بعد وأَحَست بوخزٍ في قَدَمِها، وإذ بالطبيبِ يُهَنِئَها بسلامتها وعودَتِها للحياة، عندئذٍ أدرَكت أنها ليست في منزلها وأنَّ عائِلتها ليست إلى جانبها، لكنَّ السؤالَ الذي أثقلَ رأسها ماالذي حدث؟
تلفتت من حولها لِتَجِدَ والدها يَقِفُ إلى جانبها والدموعُ تنهمرُ من عينيهِ على شكلِ سُيول لتسألهُ:متى عُدتَ من العمل؟
أينَ نحن؟
أينَ أخوتي؟
أينَ أمي والدموعُ تتكاثرُ على وجهِ أبيها، وَتُعاودُ سؤالها بلهفةٍ وحَرقة أخبرني أينَ هُم ماالذي جرى؟
لاتقلقي ياابنتي جائها صوتُ والِدها على شكلِ أمانٍ ودفىء ليروي ظمأَ أسئلتها، كُلهم بخير بهم جروحٌ خفيفة، فحمدتْ ربها على لُطفِهِ بِهم وعَادتْ لِتُكمِلَ تلاوةَ القرآن وعندَ ولوجِها آية آمنهم مِنْ خوف طلبت من أبيها أنْ يُذكرها بالآيةِ التي تليها والأب من شدةِ رهبتهِ وارتباكهِ لم يستطع إكمالها فطلبَ منها أنْ تُعيد السورةَ من بدايتها فبدأت تقول: القارعةُ مالقارعة ودخلتْ في سورةٍ جديدة، ولمْ يَعي أحدٌ منهم الذي حصل
ولم تُدرك الفتاة حتى وقتِها أنها فقدتْ قدميها وأُسرتها

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
العلاج بالتبريد لعنق الرحم
التالي
نوبات الحزن، بقلم : مرام حماده

اترك تعليقاً