مقالات ونصوص متنوعة

جريمة الرهان، بقلم : رُبى محمد زهوة

(مُتَّكِئٌ أنا على كَتِفِ دِمشقَ
نائِمَتي تِلكَ
بِعَينيِّ أَحرسها
غافيةً هيَ على كَتِفِ القَمَرِ)
…………
وميضٌ حادٌّ و صرخةٌ مكتومة، و شهقةٌ دون صوتٍ و لا صدىٰ..
أستَيقظُ فَزِعاً كما عادِتي
لَمْ تُحاوطني أطياف الإرتجافِ و هالات الذُّعر كما السّابق، لكنَّني أختنق، أختنقُ فقط، أجرُّ الهواء إلى صدري الخاوي جرَّاً، لٰكنْ عبثاً..
تأبى رِئتاي أن تَفُكَّا قيد النَّفَس المأسورِ في صَدري، و بقسوةٍ تحجبُ عنّي أيَّ ذرَّةٍ من أوكسجين..
نظرتُ إلى السَّاعة المَصلوبة على الحائطِ المُقابل لي، قبل الثّالثة فجراً بعدَّة دقائق، و الكَثير مِنَ الثوانِ..
ملَلتُها و مَلَّتني، في كلّ يومٍ أمقتها بعينيَّ الجاحظتينِ هلعاً في نفس التَّوقيت.. فتَزجرني:
“نَمْ عنَّي، أغلِقْ هذينِ الثَّقبينِ المثبَّتَين في أعلى رأسِك الفولاذيِّ هذا، أَصبْتَ تكَّاتي بِغثيانِ النَّظر، أَبلَيتَها بِتُخمةِ المُراقَبة”.

عَدَمَاً أَصبحتُ أنا، حتّى هذهِ السَّاعة تأَفَّفتْ تَملُّكي و مُحاصَرتي..

عُدتُ بعينيَّ إلى الفراغ اللَّامُنتهي إلى جانبِي على سَريرنا، كما كنتُ أفعلُ قبل غفوتي اللَّعينة تلكَ..
تحسَّستهُ بِقلبي، و داعبتُ جبينهُ المُتجلِّي بوسادتكِ الخالية من رأسكِ برؤوس أصابعي..
شعرتُ لوهلةٍ بأنَّني أُحملِقُ بأُفقٍ من عدمٍ
أنظرُ بمساحاتٍ شاسعةٍ لا نهاية لها، كلَّها تبتدئُ بعينيكِ، لكنَّها لا تنتهي بهما..
أحتَضنُ شالَكِ الحريريَّ، أَرتقُ بهِ فتقَ روحي الّذي سبَّبهُ غيابكِ..
أشتمُّ نكهةَ ريَّاكِ التي لَم تفارِقني، يعبقُ بها صَدري فأَحتَضِرُ شوقاً لا اختناقاً..
عجباً لكِ يا رَحيل، كم تأصَّلتِ بي، كلَّ ليلةٍ تحومينَ حولي روحاً بِلا روحٍ، تجتَّثينَ سَكينتي و تَهجرينِ..
أصبحَ يؤرقني النَّوم منذُ رحيلكِ يا رحيل، و يأكلني الذَّنبُ، و تَتوعَّدُ لي أجيالٌ مِن نَدمٍ..!
باتَت ساعةُ نومي كالمُنازعة للحفاظِ على رمقٍ مِنَ الحياة
كالإستلقاءِ بقبرٍ مفتوحٍ، في مقبرةٍ جميع قبورها بلا سقفٍ يسترُ اهتراء ساكنيها..
أَتعلمينَ لِمَ؟!
“لأنَّه حينَ ننامُ فُرادىٰ، ستُعانق رؤوسنا الوحشَة، و تستَلقي على صُدورنا بقايا الغائبينَ”

إقرأ أيضا:يا ليتنا بقينا أطفالاً

أعودُ، و أحتَضنُ دَمعي و شَذاكِ، و أغْفو..
فَيعودُ وميضٌ من حُلُمٍ لِيَروي ما حصلَ بيننا، يُلاحِقني لِيَحكي قصَّة خُذلاني إيِّاكِ.. لِيُسَوِّرني و يَقضُّ مَضجَعي
بحرٌ من فراغٍ، ثُمَّ فضاءٌٍ من سوادٍ، و أنا:
(هائمٌ في أحضانِ المدينَة العابِثة في مُنتَصفِ اللَّيلِ، أُلاحِقُ سرابَاً من عشقٍ على هيئة فَتاةٍ، تُسمَّى رَحيل
تَعرجُ نحو حدودِ القَمر، فَتُزلزلُ بِحُسنها لُجَينهُ الفِضِّي..
تهتَدي على صَدرِه ناعِسةً، تلوِّحُ لي برمشَيها، أَنْ لا ترحَل، احرُسني لِأَنَمْ بِأمانٍ..
تَثِقُ بي، و تَغفو..
أخطو بخفَّة على أصابِعِ الأماكِن، أصلُ إلى رأسِ حوريِّةٍ من مُقامٍ، تُكنَّى دِمَشق..
أحطُّ بِثقلي على جانِبها، و أرفعُ ناظريَّ إلى رَحيل..
أتَّكِئُ أنا على كتفِ دِمشقَ
جَميلَتي تِلكَ، بِحَدَقتَيَّ أُسكِنها، بعينيَّ أحرسها، غافِيةً هيَ على كَتِفِ القَمَر
نائِمةً هي، وَ لي مُستكينةً و مُطمئِنَّة

يَغويني شهابٌ ثاقبٌ لِلبَصر، و أَسرع من لمحِ البَصر!
فَأسهو عَنها..
تَصحو رَحيل، لِتَقبض عليَّ بعينيها المخذولَتينِ، و مِن عظيمِ إثم غَدري بها، يهتَزُّ بها القَمَر مُنزمعاً
فَتَميلُ رَحيل، تتدلَّىٰ مُرتخيةً فَيميلُ قَلبي فَزِعاً، أمدُّ يديَّ لألتقِطها، فتَخسفُ بي دَمشق!
تَهوي رَحيل، فَيهوي بي سريري، تسقُطُ هي، أُعاركُ سُباتي، فلا أفيقُ
أتمنَّاه سقوطاً على قلبي، لكنَّها تتأرجحُ في الفضاءِ أَمامي..
تناديني، فلا أُجيبها، مشلولاً أنا..
تغصُّ حنجرَتي بِصُراخي، يجثمُ خوفي على أطرافي فلا أستطيعُ حراكاً، فَتموتُ رحيل، مرتطمةً بقعرِ الغُصَّة و التَّخلّي)

إقرأ أيضا:نص نثري بقلم سالمة الطاهر أحميد

أستفيقُ مذعوراً من كابوسي، أمدُّ يديَّ علّي أَلتقطُ منها لو صوتها..
فتَحطُ على رأسي لتحتضنهُ، فارغةً من أثرٍ من رحيل، تُعانقني محاولةً مواساتي..
أعودُ لِأُحملقَ بالسَّاعة مقابلتي، و أعودُ لإحتضانِ سَريرنا
و أهيئُ نفسي للكابوسِ مرةً أخرى:
(أنا من شرفة دِمَشق مُنحنٍ، و متكِّئة هي على كتفِ القمر، غَدرتُ بها أنا، و من تحتِها خانَها القَمَر، و هكذا سَقَطَتْ..
ترَكَتني، و ماتَتْ من قِصَّتنا رَحيل، و رَحَلَتْ، بجريمةِ الرِّهان، على الأمانِ منِّي، و ثباتِ كتفِ القَمَر).

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
عمل الفيمتو ومشروبات رمضان
التالي
دون درايةٍ منها، بقلم : محمود الحسن

اترك تعليقاً